ما تقدم إذا كان يريد أن يوصي من ماله لأحد من الناس غير الورثة أو لوجوه البر أو ما إلى ذلك، وأما إذا أراد ألا يوصي ويجعل المال كله للورثة فله ذلك.
والوصية -كما سبق- عند الجمهور مستحبة وليست واجبة، فإن أوصى فقد أتى بأمر مستحب، وإن لم يوص فلا شيء عليه.
وله أن يوصي بشيء من ماله من أجل أن يصرف في وجوه البر، وله ألا يوصي، وإن أوصى به فلا شك أن هذا مستحب له؛ لأنه يعود عليه بالأجر، وإن تركه لأولاده إن كانوا بحاجة إليه لأنهم كثيرون والمال قليل فيتركه لهم، ولكل امرئ ما نوى، وقد تكون المصلحة بالوصية، وقد تكون المصلحة في غيرها، على حسب الورثة وحاجتهم، وضعف الورثة وقوتهم؛ لأن الورثة قد يكونون أغنياء كلهم فيوصي والإيصاء طيب، أو يكونون فقراء أو ضعافاً أو صغاراً فإذا ترك الوصية وجعل المال لهم فلكل امرئ ما نوى.
أما عن صيغة الوصية فالمشهور عند سلف هذه الأمة أنهم كانوا يبدءون الوصية بعبارة أو بجملة وهي: (هذا ما أوصى به فلان بن فلان، أوصى بأنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وأن الساعة حق، والجنة حق، والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأوصي بني بأن يتقوا الله، ويصلحوا ذات بينهم، وأوصيهم بما أوصى به إبراهيم ويعقوب بنيه أن لا تموتن إلا وأنتم مسلمون)، جاءت هذه الصيغة وذكرها الشيخ الألباني في إرواء الغليل، وقال: إنها صحيحة أو حسنة، وإن ذلك ثابت عن بعض السلف أنهم كانوا يفتتحون وصاياهم بهذه الجملة.