قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حامد بن يحيى البلخي قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا الزهري -وسأله إسماعيل بن أمية فحدثناه الزهري - أنه سمع عنبسة بن سعيد القرشي يحدث عن أبي هريرة قال: (قدمت المدينة ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر حين افتتحها، فسألته أن يسهم لي، فتكلم بعض ولد سعيد بن العاص فقال: لا تسهم له يا رسول الله.
قال: فقلت: هذا قاتل ابن قوقل! فقال سعيد بن العاص: يا عجباً لوبر قد تدلى علينا من قدوم ضال! يعيرني بقتل امرئ مسلم أكرمه الله تعالى على يدي ولم يهني على يديه!)].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة من طريق أخرى، وفيها أن القصة بالعكس، وذلك لأن الذي في المسألة الأولى هو أن أبا هريرة هو الذي اعترض على طلب أبان بن سعيد بن العاص، وفي هذه القصة أن أبا هريرة هو الذي طلب أن يجعل له نصيب من الغنيمة وأبان هو الذي اعترض عليه، وكل منهما جاء في آخر الأمر؛ لأن أبا هريرة إنما جاء في زمن متأخر بعد انتهاء خيبر، وكذلك أبان بن سعيد بن العاص، ولما قال أبو هريرة: (اقسم لي يا رسول الله اعترض عليه أبان فقال: لا تسهم له يا رسول الله).
يقول أبان: لا تسهم له.
يعني: لـ أبي هريرة.
فغضب أبو هريرة وقال: هذا قاتل ابن قوقل! وهو مسلم قتله أبان بن سعيد وهو كافر.
فعند ذلك تكلم أبان بن سعيد بكلام من أحسن الكلام وأجمله وأبلغه فقال: يعيرني بقتل امرئ مسلم أكرمه الله تعالى على يدي ولم يهني على يديه.
يعني: يعيرني بقتل امرئ مسلم أكرمه الله على يدي بالشهادة حيث قتلته فصار شهيداً، ولم يهني على يديه بأن يقتلني فأموت كافراً.
فسلم من القتل ومن الله عليه بالإسلام فأسلم، وهذا من أحسن الكلام وأجمل الكلام وأجوده.
وابن قوقل -بقافين- على وزن جعفر، واسمه النعمان بن مالك بن ثعلبة بن أصرم وقوقل لقب ثعلبة وأصرم، وعند البغوي في الصحابة أن النعمان بن قوقل قال يوم أحد: أقسمت عليك -يا رب- ألا تغيب الشمس حتى أطأ بعرجتي في الجنة.
فاستشهد ذلك اليوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيته في الجنة وما به عرج).