لا شك في أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - من الخلفاء الراشدين الأربعة وغيرهم- كانوا متصافين، وإذا حصل شيء من الاختلاف في أمر من الأمور فذلك لا يؤثر؛ لأن الشيء الذي يجمعهم هو نصرة الدين، وإذا كان هناك شيء في النفوس فهو لأمر طارئ من الأمور التي تجري بين الناس، كما يجري بين الإنسان وبين أهله وولده من تكدير الصفو، ولكنها لا تؤثر.
ويذكر أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عليه كان أولاده خمسة: واحد اسمه: حسن، والثاني: حسين، والثالث: علي، والرابع: عبد الله، والخامس: إبراهيم، وإبراهيم لم يعقب، والأربعة هم الذين أعقبوا، وثلاثة منهم سموا باسم علي وولديه، فواحد سمي باسم علي، والثاني باسم الحسن، والثالث باسم الحسين، وأكثر نسله إنما هو من الأربعة الذين منهم ثلاثة سموا بهذه الأسماء، والرابع هو عبد الله الذي أبوه سليمان بن عبد الله بن محمد، وأما الشيخ محمد بن إبراهيم وكذلك المفتي زيد علي الشيخ فهم ينتسبون إلى عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد.
فالذين يقولون بأنه يكره آل البيت هؤلاء يريدون أن يصدوا الناس عن الحق، وأن يبعدوهم عن الهدى، وإلا فإن أولاده جلهم سمي بأسماء آل البيت، وهم ثلاثة من الأولاد الأربعة المنجبين، والأولاد الخمسة كلهم سموا بأسماء آل البيت علي والحسن والحسين، فهذا يدل على محبته لآل البيت، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وهي أنهم يتولون أهل البيت ويحبونهم، وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف لا بالهوى والتعسف، وقدوة الناس في ذلك أبو بكر وعمر اللذين هم خير هذه الأمة.
أبو بكر جاء عنه في صحيح البخاري أثران ذكرهما البخاري في صحيحه: أحدهما أنه قال: (والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي) يعني: آل محمد أولى عنده أن يصلهم من آل أبي بكر.
هذا كلام أبي بكر في صحيح البخاري.
الأثر الثاني في صحيح البخاري يقول فيه: (ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته) يعني وصيته في أهل بيته.
أما عمر رضي الله عنه فقد جاء عنه أنه قال للعباس يوم أسلم: إن إسلامك يوم أسلمت أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على إسلامك.
هذا كلامه للعباس، فيقول: إسلامك يوم أسلمت أحب إلي من إسلام الخطاب -الذي هو أبوه- لو أسلم، فهذا يدل على منزلة أهل البيت عند عمر رضي الله عنه.
ذكر الآثار الثلاثة ابن كثير، ذكر الأثرين عن أبي بكر والأثر عن عمر في تفسير سورة الشورى عند قول الله عز وجل: (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى:23]؛ لأنه جاء حديث عن ابن عباس الذي في صحيح البخاري أن المقصود بالمودة في القربى أنه يخاطب أهل مكة الذين هم قريش، ويقول لهم ما معناه: إذا لم تنصروني فدعوني لما بيني وبينكم من القرابة أن أبلغ رسالة ربي.
قال ابن كثير: وليس المقصود بها أنهم علي وفاطمة وآل بيته؛ لأن هذا إنما حصل بمكة قبل أن يتزوج علي بـ فاطمة، وقبل أن يوجد الحسن والحسين؛ لأن ذلك الزواج ما حصل إلا في المدينة.
ثم إنه بعد ما ذكر أن الآية لا تدل على هذا جاء بأثر ابن عباس في صحيح البخاري أن المقصود به قريش، وذكر المعنى، قال: وقد جاءت النصوص في فضل أهل البيت واحترامهم وتوقيرهم، وجاء بكلام أبي بكر وعمر في صحيح البخاري، وأورد كذلك الأثر الذي ورد عن عمر في صحيح البخاري أنه لما حصل الجدب والقحط وخرج بالناس يستسقي طلب من العباس أن يدعو، وقال: (اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا)، يعني: طلبنا منه أن يدعو لنا فيدعو فتسقينا، (وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قم يا عباس فادع الله) فما قال: نتوسل إليك بـ العباس، بل قال: (بعم نبينا) فذكر الصلة التي تربطه بالرسول صلى الله عليه وسلم، وهي العمومة.
فهذان أثران عن عمر في بيان منزلة أهل البيت، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وقدوتهم وسلفهم في ذلك خير الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر ثم عمر رضي الله تعالى عنهما.