قال رحمه الله: [والأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئاً من الحديث، إلا أن تمييزها لا يقدر عليه كل الناس].
ثم ذكر أن الأحاديث التي في كتابه أحاديث مشهورة عند أهل العلم، وليست غريبة لا يقف عليها أحد، ولا يعني هذا أن الغريب لا يعول عليه، فإن من الغريب -وهو ما جاء من طريق واحد- ما هو حجة عند العلماء، وهو موجود في الصحيحين وفي غير الصحيحين، ومن ذلك أول حديث في صحيح البخاري، وكذلك آخر حديث فيه.
ففاتحة كتاب البخاري وخامته حديثان غريبان ما جاء كل واحد إلا من طريق واحد، لكنهم ثقات يعول على تفردهم، فأوله حديث إنما الأعمال بالنيات، وهو حجة عند العلماء، وأصل من الأصول في الدين، ولهذا يقول بعض العلماء: الأحاديث التي يدور عليها الدين أربعة، ومنها: (إنما الأعمال بالنيات)؛ لأن ما يتعلق بالقلوب والنيات يدل عليه هذا الحديث: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرأ ما نوى).
وآخر حديث في صحيح البخاري حديث أبي هريرة: (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم) فهذا حديث غريب ما جاء إلا من طريق أبي هريرة يرويه عنه أبو زرعة بن جرير ويرويه عنه آخر وهكذا، وهو مشهور من حيث الثبوت، لكن ليس له طرق كثيرة.
والعلماء يقولون: إن الآحاد تنقسم إلى: مشهور وعزيز وغريب.
فالمشهور: ما جاء من أكثر من طريقين ولم يبلغ حد التواتر.
والعزيز: ما جاء من طريقين.
والغريب: ما جاء من طريق واحد.