قوله: [(أعوذ برضاك من سخطك، أعوذ بمعافاتك من عقوبتك)] فالرضا والسخط من صفات الله عز وجل، وهما صفتان متقابلتان، والمعافاة والعقوبة هما من أفعال الله عز وجل وهما متقابلتان، وفي هذا دليل على أنه يستعاذ بصفات الله كما يستعاذ بالله؛ لأن صفاته غير مخلوقة، وإنما هي قائمة به سبحانه وتعالى، فيستعاذ بها كما يستعاذ به سبحانه وتعالى، ولهذا جاء في هذا الحديث الاستعاذة بالرضا والمعافاة، وكذلك جاء الاستعاذة بكلمات الله التامات، وجاء الاستعاذة بالعزة والقدرة كما في الحديث: (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر).
وفيه أيضاً: أن الصفات بعضها أفضل من بعض؛ لأن صفة الرضا أفضل من صفة الغضب والسخط، ولهذا يستعاذ بهذه من هذه، ولهذا سبقت الرحمة الغضب، وهذا يدل على تفاضل الصفات، فإن المستعاذ بها أفضل من المستعاذ منها، وكذلك كلام الله عز وجل يتفاضل، ولهذا فأفضل آية في القرآن آية الكرسي، وأفضل سورة في القرآن سورة الفاتحة، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] تعدل ثلث القرآن، وهي أفضل من سورة: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد:1] التي بجوارها، فكلام الله يتفاضل، وصفاته تتفاضل، وهذه النصوص تدل على ذلك، ثم إن الاستعاذة حصلت في شيئين متضادين: مستعاذ به، ومستعاذ منه، فحصلت الاستعاذة بصفة الرضا من صفة الغضب والسخط، وبفعل المعافاة من فعل العقوبة، ولما حصلت الاستعاذة بهذه الأشياء المتقابلة بعضها من بعض، وكان الموصوف بها الفاعل الذي لا ضد له قال: (أعوذ بك منك) وذلك لأن كل محذور وكل مخوف إنما هو بقضاء الله وقدره وبخلقه وتكوينه.