قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا ابن المثنى حدثنا أبو عاصم حدثني جعفر بن يحيى بن عمارة بن ثوبان أخبرنا عمارة بن ثوبان أن أبا الطفيل رضي الله عنه أخبره قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقسم لحماً بالجعرانة، قال أبو الطفيل: وأنا يومئذ غلام أحمل عظم الجزور، إذ أقبلت امرأة حتى دنت إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فبسط لها رداءه، فجلست عليه، فقلت: من هي؟ فقالوا: هذه أمه التي أرضعته) حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب حدثني عمرو بن الحارث أن عمر بن السائب حدثه أنه بلغه: (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان جالساً، فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثم أقبلت أمه من الرضاعة فوضع لها شق ثوبه من جانبه الآخر فجلست عليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام له رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأجلسه بين يديه)].
أورد الإمام أبو داود رحمه الله تحت باب: بر الوالدين هذين الحديثين المتعلقين بالأم من الرضاعة والأب من الرضاعة، والأحاديث التي مرت كلها تتعلق بالأبوين من النسب، ومن المعلوم أن الأم من الرضاعة والأب من الرضاعة لهما حق على من رضع منهما؛ فإن الأبوة والأمومة متحققة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب) فمن حصل له إرضاع من امرأة صارت أمه من الرضاعة وزوجها صاحب اللبن أباه من الرضاعة، فإنه ينسب إليهما ويقال: هذا أبوه من الرضاعة، وهذه أمه من الرضاعة، ولاشك أن لهما حقاً عليه، ولكن دون حق الأم والأب من النسب.
أورد أبو داود الحديث الأول حديث أبي الطفيل وهو عامر بن واثلة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من صغار الصحابة، وقد ولد عام أحد، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره سبع سنوات، وهو آخر من مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.
يقول أبو الطفيل: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لحماً بالجعرانة، وأنا يومئذ غلام أحمل عظم الجزور، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً، فجاءت امرأة فبسط لها رداءه وأجلسها عليه، فقلت: من هي؟ فقالوا: هذه أمه التي أرضعته، وقد ذكر أن هذه المرأة هي حليمة السعدية، وقد أوردها ابن حجر في الإصابة، وكذلك الذهبي ذكرها في تجريده لأسماء الصحابة لـ ابن الأثير، وقال: إنه لم ير شيئاً يدل على إسلامها إلا ما جاء في حديث أبي الطفيل هذا الذي عند أبي داود.
وهذا الحديث الذي عند أبي داود ضعيف غير ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الحديث الذي بعده فهو معضل؛ لأن فيه قول بعض الرواة: (بلغني) وهو متأخر، فيكون هناك وسائط ساقطة، وهو من قبيل المعضل الذي سقط منه اثنان فأكثر بشرط التوالي.
فإذاً: كل من الحديثين لم يثبت، الأول لم يثبت لأن فيه من هو متكلم فيه، والثاني: معضل؛ لأن فيه عدة وسائط ساقطة.