أورد أبو داود حديث علي رضي الله عنه، وهو يتعلق بقتال الخوراج أيضاً، وفيه أن زيد بن وهب الجهني كان في الجيش الذين كانوا مع علي رضي الله عنه الذين ساروا إلى الخوارج، وقد كان يحدث بذلك سلمة بن كهيل، فذكر أن علياً رضي الله عنه خطب الناس وقال: أيها الناس! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن، ليست قراءتكم إلى قراءتهم شيئاً).
وهذا من جنس ما جاء في بعض الروايات: (تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، وقراءتكم عند قراءتهم)، ومعناه أن هذا الذي يعمله المسلمون الذين هم على السنة، وعلى طريقة صحيحة من العبادة قليل إذا قورن بما عند الخوارج من اجتهاد في العبادة، ولذلك يحقر الناس صلاتهم إلى صلاة الخوارج، وصيامهم إلى صيامهم، وأعمالهم إلى أعمالهم، ومعناه: أنهم مجتهدون في العبادة، ولكنهم منحرفون عن الجادة، بعقائدهم الفاسدة، وبشبههم الباطلة، وفهمهم للقرآن على غير حقيقته، وخروجهم على جماعة المسلمين وقتالهم، وكونهم يحسنون القول ويسيئون الفعل، ولذلك خطب علي رضي الله عنه وأرضاه بالناس وبين لهم أحوال هؤلاء وقال: إنه يرجو أن يكون هؤلاء هم الذين أخبر عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يكون هو الذي وفق لقتالهم.
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على أنه هو الذي وفق لقتالهم، حيث قال: (تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق) وقد قاتلهم علي رضي الله عنه وأرضاه، وهذا الحديث فيه بيان قتلهم وانتصاره عليهم، فقد قتل الكثيرين منهم حتى صاروا أكواماً بعضهم فوق بعض، ولم يُصَب من المسلمين إلا رجلان.
قوله: [(يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم، وهو عليهم)].
أي: أنهم يفهمونه على غير وجهه، فهم كما قال الله عز وجل: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر:8]، فهم يظنون أنهم على شيء وهم بخلاف ما ظنوا؛ يظنون أنهم على حق وهم على باطل؛ للشبه التي عرضت لهم، وللباطل الذي أشربته قلوبهم.
قوله: (لا تجاوز صلاتهم تراقيهم)] تقدم في الأحاديث السابقة: (لا تجاوز قراءتهم) وتقدم: (لا يجاوز إيمانهم) وذكر هنا الصلاة، والصلاة من الإيمان، والمراد أنهم يعملون أعمال الجوارح ولكن الاعتقاد فاسد؛ وهذا يوضح معنى قول الله عز وجل في سورة الغاشية: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً} [الغاشية:2 - 4]؛ لأنهم أهل عبادة، وأهل نصب، وأهل تعب، ولكنهم والعياذ بالله ليسوا على هدى، وإنما هم على ضلالة، ولذلك جاء في الحديث أنهم كلاب النار.