قوله: [فإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإنما الحرب خدعة].
(خدعة) فيها عدة لغات: فهي بفتح الخاء وإسكان الدال، ويقال: بضم الخاء وفتح الدال.
وفيها غير ذلك.
والمعنى: أن الإنسان قد يوري في أمور تحتاج الحرب فيها إلى تورية، بأن يظهر للأعداء أشياء غير مطابقة للواقع من ناحية ما عند الناس من القوة، سواء كانت حسية أو معنوية، ولكنه يأتي بكلام لا يكون واضحاً جلياً في أنه مخالف للواقع وغير مطابق له.
ومعلوم أن التورية يكون الإنسان فيها صادقاً؛ لأنه يقول كلاماً يريد به شيئاً وغيره يفهم غير ذلك.
وهذا مما يحصل في الحرب من إظهار القوة وإن كان هناك شيء من الضعف، مثلما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في عمرة القضاء، حين جلس الكفار في الجهة التي هي خلف الحجر ينظرون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم يطوفون، فكان بعضهم يقول لبعض: يقدم عليكم قوم وهنتهم حمى يثرب، يعني: أنهم هزال ضعاف، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن يرملوا في الأشواط الثلاثة الأول، حتى إذا كانوا بين الركن والحجر الأسود لم يرملوا، بل يمشون ليحصل لهم شيء من الراحة بعد هذا الرمل، والمقصود من ذلك إظهار قوتهم لأعدائهم الذين قالوا تلك المقالة، حتى عاد بعضهم يحدث بعضاً ويقول: هذا الكلام الذي قلتموه غير صحيح، وذلك بعدما رأوهم يرملون.
وكان هذا أول مشروعية الرمل، ثم إنه بعد ذلك شرع للناس حتى يتذكروا أن المسلمين كان فيهم ضعف ثم إن الله تعالى أعز الإسلام وأهله؛ ولهذا رمل الرسول صلى الله عليه وسلم لما حج حجة الوداع من الحجر إلى الحجر، في الأشواط الثلاثة.
فمعنى كون الحرب خدعة: أن الإنسان يأتي بكلام أو بفعل يفهم منه الأعداء خلاف ما يحبونه وما يريدونه من ضعف المسلمين ومن عدم قوتهم.
والتورية أيضاً تجوز في غير الحرب، وذلك في الأمور التي يُحَتاجُ فيها إلى التورية.