أهل السنة والجماعة قد أجمعوا واتفقوا على ثبوت رؤية الله عز وجل في الدار الآخرة، وخالف في ذلك بعض المبتدعة فقالوا: إن الله لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة.
ومما جاء في القرآن الكريم دالاً على ثبوت الرؤية لله عز وجل، قوله سبحانه وتعالى في سورة القيامة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23]، فإن (ناضرة) الأولى من النضرة وهي البهجة والسرور، أي أن وجوههم فيها نضرة وجمال، وفيها إضاءة وإشراق، كما قال الله عز وجل: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين:24].
وقوله: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23]، هي من النظر، وهي معداة بإلى، أي أنها تنظر إلى ربها، والنظر إذا عدي بإلى فإنه يكون بالأبصار، وإذا عدي بفي فإنه يكون بالتفكر والاعتبار كما في قوله: {أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:185] أي: يتفكروا ويعتبروا.
وكذلك جاء في القرآن الكريم قول الله عز وجل: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] أي الكفار، قال الشافعي رحمة الله عليه: فلما حجب هؤلاء في حال السخط، دل على أن أولياءه يرونه في حال الرضا.
وقال الله عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، وقد جاء في السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله، كما في صحيح مسلم من حديث صهيب رضي الله تعالى عنه.
وكذلك قول الله عز وجل: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام:103]، فإن هذه الآية تدل على أنه يُرى لكنه لا يحاط به رؤية، كما أنه يعلم ولا يحاط به علماً، فالناس يعلمون عن الله عز وجل ولكن لا يحيطون به علماً، وكذلك المؤمنون يرونه في ولا يحيطون به رؤية، فنفي الإدراك شيء خاص، وهو قدر زائد على الرؤية، ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، فإذا نفي الإدراك الذي هو الإحاطة، فإن نفيه لا يستلزم نفي الأعم الذي هو الرؤية، فإن الله تعالى يرى ولا يدرك.
ومن أهل العلم من قال: إن قوله: ((لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ)) أي: في الدنيا، فهي لا تدركه في الدنيا، وإنما تدركه في الآخرة.