ويدخل في الإيمان باليوم الآخر الإيمان بعذاب القبر ونعيمه وما يجري فيه من الفتنة وسؤال الملكين، وأن الموفق إذا سئل عن ربه ودينه ونبيه فإنه يجيب، قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ} [إبراهيم:27]، وأن الذي لم يوفق لا يجيب عن تلك الأسئلة، وأن الموفق يفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، والمخذول يفتح له باب إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها، والنعيم أو العذاب يكون للروح والجسد جميعاً، وليس للروح وحدها، وذلك أن الإحسان حصل منهما جميعاً، والإساءة حصلت منهما جميعاً.
فتكون العقوبة أو النعيم على مجموع الأمرين؛ لأن الروح وحدها ما حصل منها إحسان وإساءة، والجسد وحده ما حصل منه إحسان وإساءة، وإنما حصلت الإساءة والإحسان بمجموع الروح والجسد.
ومن مات فإنه يبقى في قبره، ومن الناس من تأكله الأرض، ومنهم من لا تأكله وهم الرسل والأنبياء كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعذاب يصل إلى من يستحقه قبر أو لم يقبر، وما كان ذكر العذاب وإضافته إلى القبور إلا لأن الغالب أن الناس يقبرون، لكن من الناس من تأكله السباع، ومنهم من تأكله الحيتان في البحر، ومنهم من يحترق وتأكله النار ويصير رماداً، ولكن كل مستحق لعذاب القبر يصل إليه العذاب، وكل مستحق للنعيم يصل إليه النعيم، والله تعالى على كل شيء قدير، ولا دخل للعقول في ذلك؛ لأن عذاب القبر من أمور الغيب.
ولهذا لا يقال: إننا نفتح القبر ولا نجد فيه جنة ولا ناراً؛ لأن هذا شيء لا يعلمه إلا الله عز وجل، ولا يعلمه الخلق، فكما أنك الآن عندك ملائكة وجن يحضرونك ومع ذلك لا تراهم ولا تشاهدهم، فكذلك أيضاً هذه الأمور لا تستطيع أن تصل إليها.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر ما أسمع) فهو صلى الله عليه وسلم يسمعه الله ما يجري في القبور، وغيره ممن يكون حوله لا يسمع، كما أنه صلى الله عليه وسلم لما صلى بالناس صلاة الكسوف عرضت عليه الجنة والنار ورأى العناقيد المتدلية والصحابة الذين وراءه ما رأوا هذا الذي رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو سبحانه يطلع من شاء على ما شاء ويخفي ما شاء على من شاء.