قال الحافظ أبو جعفر العقيلي المتوفى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة: إن في المهدي أحاديث جياداً.
قال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة علي بن نفيل بن زارع النهدي قلت: ذكره العقيلي في كتابه، وقال: لا يتابع على حديثه في المهدي، ولا يعرف إلا به، قال: وفي المهدي أحاديث جياد من غير هذا الوجه.
انتهى.
ويرى الإمام ابن حبان البستي المتوفى في سنة أربع وخمسين بعد الثلاثمائة: أن الأحاديث الواردة في المهدي مخصصة لحديث: (لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه)، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في الكلام على الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه في كتاب الفتن، وهو حديث أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم).
قال: واستدل ابن حبان في صحيحه بأن حديث أنس ليس على عمومه بالأحاديث الواردة في المهدي (وأنه يملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت ظلماً).
انتهى.
وقال الخطابي المتوفى سنة ثمان وثمانين بعد الثلاثمائة رحمه الله في الكلام على حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، وتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة إلى آخره)، قال: (ويكون ذلك في زمن المهدي أو عيسى عليهما الصلاة والسلام أو كليهما).
ذكر ذلك الملا علي القاري.
قال في شرح المشكاة: والأخير هو الأظهر لظهور هذا الأمر في خروج الدجال، وهو في زمنهما، وذكر ذلك المباركفوري صاحب تحفة الأحوذي في الكلام على شرح هذا الحديث.
وقال الإمام البيهقي المتوفى سنة ثمان وخمسين بعد الأربعمائة بعد كلامه على تضعيف حديث: (لا مهدي إلا عيسى بن مريم)، قال: والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصح ألبتة إسناداً، نقل ذلك عنه الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في ترجمة محمد بن خالد الجندي راوي حديث: (لا مهدي إلا عيسى بن مريم)، ونقله عنه أيضاً ابن القيم في المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف، وقد عقد القاضي عياض المتوفى سنة أربع وأربعين بعد الخمسمائة في كتابه الشفاء باباً لمعجزاته صلى الله عليه وآله وسلم يشتمل على ثلاثين فصلاً، قال في القسم الأول من كتابه المذكور: الباب الرابع فيما أظهره الله على يديه صلى الله عليه وآله وسلم من المعجزات وشرفه به من الخصائص والكرامات.
قال في أوئل الكلام في هذا الباب: أمنيتنا أن نثبت في هذا الباب أمهات معجزاته ومشاهير آياته لتدل على عظيم قدره عند ربنا، وأتينا منها بالمحقق والصحيح الإسناد وأكثره مما بلغ الخط أو كاد، وأضفنا إليه بعض ما وقع في كتب مشاهير الأئمة.
ثم قال في الفصل الثالث والعشرين: فصل: ومن ذلك ما أطلع عليه من الغيوب وما يكون، قال في أوله: والأحاديث في هذا الباب بحر لا يدرك قعره، ولا ينزف غمره.
وأورد في هذا الفصل جملة كبيرة من الأمور المستقبلة التي أخبر بها الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذكر من بينها خروج المهدي.
وقال الإمام محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي صاحب التفسير المشهور المتوفى سنة واحد وسبعين بعد الستمائة في كتابه التذكرة في أمور الآخرة بعد ذكر حديث: (ولا مهدي إلا عيسى بن مريم)، قال: إسناده ضعيف، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث، فالحكم بها دونه.
وقال: يحتمل أن يكون قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ولا مهدي إلا عيسى بن مريم)، أي: لا مهدي كاملاً معصوماً إلا عيسى، وعلى هذا تجتمع الأحاديث.
على القول بصحته يجمع بينه وبينها بأن يقال: لا مهدي كاملاً ومعصوماً إلا عيسى، فلا ينفي أن يكون غيره مهدي، ولكنه غير معصوم، وليس بكامل كالكمال الذي حصل لعيسى؛ لأنه نبي عليه الصلاة والسلام وغيره مثل المهدي الذي جاءت به الأحاديث لا يكون كذلك؛ لأنه من هذه الأمة ومن صلحائها ومن خيارها، (فلا مهدي)، أي: لا مهدي كاملاً معصوماً إلا عيسى بن مريم.
وعلى هذا تجتمع الأحاديث، ويرتفع التعارض.
نقل ذلك عنه السيوطي في آخر جزء العرف الوردي في أخبار المهدي.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى سنة ثمانية وعشرين بعد السبعمائة في كتابه منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية في الجزء الرابع: فصل: وأما الحديث الذي رواه -أي: الرافضي الذي ألف كتابه للرد عليه- عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي اسمه كاسمي، وكنيته كنيتي، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وذلك هو المهدي)، ف
صلى الله عليه وسلم أن الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم من حديث ابن مسعود وغيره، كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن مسعود: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه رجل مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً)، ورواه الترمذي وأبو داود من رواية أم سلمة وفيه: (المهدي من عترتي من ولد فاطمة)، ورواه أبو داود من طريق أبي سعيد، وفيه: (يملك الأرض سبع سنين)، وروى عن علي رضي الله عنه: (أنه نظر إلى الحسن وقال: إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم، يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق، يملأ الأرض قسطاً).
وهذه الأحاديث غلط فيها طوائف، طائفة أنكروها واحتجوا بحديث ابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا مهدي إلا عيسى بن مريم)، وهذا الحديث ضعيف، وقد اعتمد أبو محمد بن الوليد البغدادي وغيره عليه وليس مما يعتمد عليه، ورواه ابن ماجة عن يونس عن الشافعي والشافعي رواه عن رجل من أهل اليمن يقال له: محمد بن خالد الجندي، وهو ممن لا يحتج به، وليس في مسند الشافعي، وقد قيل: إن الشافعي لم يسمعه من الجندي، وإن يونس لم يسمعه من الشافعي.
الثاني: أن الإثني عشرية الذين ادعوا أن هذا مهديهم فمهديهم اسمه محمد بن الحسن، والمهدي المنعوت الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم اسمه محمد بن عبد الله ولهذا حذفت طائفة لفظ الأب حتى لا يتناقض مع ما كذبت به.
وطائفة حرفته وقالت: جده الحسين وكنيته أبو عبد الله، فمعناه: محمد بن أبي عبد الله، وجعلت الكنية اسماً، وممن سلك هذا: ابن طلحة في كتابه الذي سماه غاية السول في مناقب الرسول، ومن له أدنى نظر يعرف أن هذا تحريف وكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهل يفهم أحد من قوله: (يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي إلا أن اسم أبيه عبد الله)، وهل يدل هذا اللفظ على أن جده كنيته أبو عبد الله؟! ثم أي تمييز يحصل له في هذا، فكم من ولد الحسين من اسمه محمد، وكل هؤلاء يقال في أجدادهم: محمد بن أبي عبد الله كما قيل في هذا، وكيف يعدل من يريد البيان إلى من اسمه محمد بن الحسن فيقول: اسمه محمد بن عبد الله ويعني بذلك أن جده أبو عبد الله، وهذا كان تعريفه بأنه محمد بن الحسن أو ابن أبي الحسن؛ لأن جده على كنيته أبو الحسن أحسن من هذا وأبين لمن يريد الهدى والبيان.
وأيضاً فإن المهدي المنعوت من ولد الحسن بن علي لا من ولد الحسين، كما تقدم لفظ حديث علي رضي الله عنه، وقد عقد ابن القيم رحمه الله في آخر كتابه المنار المنيف في الحديث الصحيح والضعيف فصلاً في الكلام على أحاديث المهدي وظهوره والجمع بينها وبين حديث: (لا مهدي إلا عيسى بن مريم)، قال فيه: فأما حديث: (لا مهدي إلا عيسى بن مريم)، فرواه ابن ماجة في سننه عن يونس بن عبد الأعلى عن الشافعي عن محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو مما تفرد به محمد بن خالد.
قال أبو الحسين محمد بن الحسين الآجري في كتابه مناقب الشافعي: محمد بن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل، وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى عليه وآله وسلم بذكر المهدي وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، وأنه يملأ الأرض عدلاً، وأن عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجال، وأنه يأم هذه الأمة، ويصلي عيسى خلفه.
وقال البيهقي: تفرد به