(وكان فضل الله عليه عظيماً): أي لم يزل فضل الله الذي هو إحسانه وإكرامه، ولا يزال عليه أي على الإنسان عظيماً في الماضي والمستقبل والحال إذا مده بالنعم وأوجده من العدم وخصصه بالكرم وذكره في القدم والفصل إعطاء الشيء من غير علة ولا سبب ولا استحقاق قال ابن عطاء الله في الحكم عنايته فيك لا لشيء منك وأين كنت حتى واجهتك عنايته وقابلتك رعايته لم يكن في أزله إخلاص أعمال ولا وجود أحوال بل لم يكن هناك إلا محض الأفعال وعظيم النوال انتهى.
وهو عجيب في شأنه (ونبهه بآثار صنعته) أي نبه الله الإنسان لما يريده منه من معرفته بآثار صنعته فيه الدالة على قدرته بإبرازها على إرادته بتخصيصها وعلى علمه بإتقانها وعلى حياته بوجودها كذلك وعلى كماله بنقصها وإن تنبه كان ذلك محجة وسبيلاً إليه وإن لم ينتبه كان حجة ووبالاً عليه ولا يلزم من هذا كون النظر والاستدلال أول الواجبات ولا المعرفة بل كونها مطلوبة فقط والتحقيق أنها واجبة بالدليل الإجمالي مندوبة بالدليل التفصيلي وقد حكى ذلك (ع). عن ابن رشد في نوازله ولا خلاف في أن الخروج من التقليد مطلوب وإن لم يكن واجباً.
قال ابن رشد: ولا يلزم فيه اصطلاح معين والقول بذلك بدعة بل بأي وجه أمكن فإذا استدل على وجود البارئ وكماله بوجود المخلوقات وعلى صدق الرسل بالمعجزات خرج عن التقليد هذا معنى كلامه وقال بعضهم: مجموع ذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُم لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} إلى قوله: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا} [البقرة: 21 - 24] فتأمل ذلك وفي كلام الشيخ أربعة منبه وهو الله ومنبه هو إلإنسان ومنبه به وهو آثار الصنعة ومنبه عليه وهو ما تضمنته الآثار من التعريف والله أعلم.
(وأعذر إليه على ألسنة المرسلين الخيرة من خلقه) أي وأعذر الله للإنسان أي بالغ له في العذر بعد التنبيه لتنقطع حجته ببعث الرسل مبشرين بالفلاح لأهل الصلاح ومنذرين بالنار لأهل العار كما قال تعالى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] الآية.
فجاءت الرسل عليهم السلام بثلاث التنبيه على مدركات العقول كالعلم بوجود