المراد بالعلم هنا المعلوم والمراد {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ} من علم معلوماته {إِلاَّ بِمَا شَاءَ} أن يحيط هم به فإن علمهم ينتهي إليه بتعليمه إياهم ولولا ذلك لم يعلموه {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} قيل: المراد بالكرسي العلم أي وسع علمه السموات والأرض {لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [سبأ: 3] وقيل: كرسيه ملكه لأن الكرسي من لوازم الملك كالعرش فعبر به عنه من باب ذكر الشيء بلازمه، وقيل مخلوق عظيم دون العرش السموات والأرض فيه كحلقة ملقاة في فلاة.
قال شيخنا أبو عبد الله القوري رحمه الله: يعني إذا مدت كل واحدة إلى جانب الأخرى والسموات والأرضون مع الكرسي في العرش كحلقة ملقاة في فلاة والكل في قدرته تعالى كأدنى ذرة من الذرات وقيل هو العرش وقيل سرير دينه جعله تعالى لترتيب مملكته ولإظهار عظمته وقيل غير ذلك وقوله {وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا}.
معناه ولا يثقل عليه حفظ الكرسي وما فيه السموات والأرض وما في أنفسهما في قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 41] وهو العلي في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله عن كل نقص وحدوث بل عن كل كمال لا يليق بذاته الكريمة فضلاً عن النقائص العظيم في علوه كما أنه علي في عظمته إذ يصغر عند ذكر وصفه كل شيء سواه فافهم وبالله التوفيق.
تنبيه:
مرجع هذه العقيدة بل وكل عقيدة إلى ثلاث.
أولها: إثبات الذات الكريمة كما يليق بها من كمال التترية ونفي التشبيه والرجوع لقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11].
والثاني: العلم بأسمائه تعالى وصفاته وما يرجع إليها من إجلال وتعظيم وتتريه.
والثالث: العلم بأفعاله تعالى الواقعة والمتوقعة والجائز نفياً وإثباتاً، وقد تكلم الشيخ على الأول من أول العقيدة إلى هنا ثم افتتح الكلام بالصفات والأسماء بقوله (العالم والخبير) على قوله والمقدر لحركاتهم وآجالهم ثم أتى بالثالث من قوله (الباعث