وأما ما يجري على وجه الأرض بعد نزوله من السماء، فإنه ماء السماء، وهو باقٍ على الأصل أيضاً، ويشمل ماء السيل، والنهر، وماء البرد، والثلج إذا ذابا، وقد بيّن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاحيتهما للغسل، وحصول الطهارة هما في قوله: [واغْسِلُه بماءٍ، وثلج، وبَرَدٍ] فألحق الثلج، والبرد بالماء الطهور في كونهما تحصل بهما الطهارة، وكل من ماء السيل، والنهر باقٍ على الأصل فيهما أنهما من ماء السماء الذي نصّ الله على طهوريته، وكونهما جاريان لا يسلبهما وصف الطهورية، وهكذا بالنسبة لتغيّرهما بلون الأرض؛ لأنه تغيّر بما يشقُّ صَونُ الماء عنه، وذلك لا يسلبه الطّهورية.
وأما ماء البحر فقد نصّ عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الصحيح أنه طهور بقوله: [هو الطهُورُ مَاؤُه]، وفيه خلاف ضعيف عن بعض الصحابة رضي الله عنهم لا يؤثر، حيث نصّت السنة على طُهوريّته، ولعلّ من خالف لم يبلغه الحديث، وقد جمع المصنف رحمه الله وصف الطهور في أمرين:
الأول: منهما تعبّدي؛ أي أنه متعلق بالعبادة، وهو قوله: [لا يرفعُ الحدث، ولا يزيل النجسَ الطاريء غيرُه].
والثاني: طبعي؛ حيث وصفه بكونه باقياً على أصل الخلقة في قوله: [وهو الباقي على خلقته].
فقوله رحمه الله: [لا يرفع الحدث] تقدم أن الحدث كل ما أوجب وضوءاً، أو غسلاً، فشمل نوعين: الأكبر: كالجنابة، والحيض، والنفاس، والأصغر