الوجه الثاني: في قوله: [هو الطَّهُورُ]، ولم يقل الطّاهر إشارة إلى الفرق بينهما حيث إختار صيغة فعول الدّال على زيادة المعنى فيه على غيره ليبيّن أنه ليس كالطاهر كما قدمنا في دليل الكتاب.
قوله رحمه الله: [طَهُورٌ: لا يرفعُ الحدثَ، ولا يُزيلُ النَّجِسَ الطارئَ غيَرُه]: بدأ رحمه الله بالطَّهور؛ لأنه الأصل في الماء فهو الباقي على أصل خلقته، وكلّ من الطاهر، والنَّجِس يحصل بتغير الطهور، فإن تغير الطهور بشيء طاهر صار طاهراً، وعكسه النجس، فصار الطهور أصل المياه من جهة بقائه على أصل خلقته، دون تغيّرٍ، ودل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} ومن أمثلته: ماء السماء، والبئر، والنهر، والعين، والسّيل، والبحر.
فأما ماء السماء: فإنه هو أصل الماء كما قدمنا، وقد نصّ الله تعالى على طَهُوريتِه، ثم هو إما أن يستقر في الأرض، وإما أن يجري على وجهها.
فأما المستقر في الأرض فإنه باقٍ على الأصل من طهوريته كما قال سبحانه وتعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} فإن خرج بنفسه من جوف الأرض، كماء العيون؛ فهو طهور إعتباراً لأصله، وإن أخرجه الإنسان كماء البئر فهو طهور أيضاً، ولذلك قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ماء بئر بضاعة: [إِن الماء طَهورٌ، لا يُنَجِّسُهُ شَيءٌ] فدلّ على ما قدمنا من البقاء على الأصل من طهورية ماء السماء إذا إستقر في الأرض، سواء خرج بنفسه كماء العيون، أو أخرجه المكلف؛ كماء البئر.