خامساً: إذا دخل المسجد قال الدعاء المأثور: (باسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك)، والسنة أن يقدم يمناه ويؤخر يسراه، والسنة إذا دخل إلى المسجد أن يكفّ أذاه عن الناس بعدم تخطي الرقاب ورفع الصوت تشويشاً على المصلين، حتى ولو كان ذاكراً، إذا أمكنه ذلك، وذلك: (أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس في الجمعة، فجاء رجلٌ يتخطى الرقاب، فقال عليه الصلاة والسلام: اجلس فقد آذيت وآنيت)، ومعنى قوله: (فقد آذيت) أي بتخطيك لرقاب الناس، ومعنى (آنيت): أي تأخرت، فالذي يريد الصفوف الأول، والذي يريد الفضائل التي تكون في الصفوف الأول فليبكر، أما أن يأتي متأخراً ويتخطى رقاب الناس ويؤذيهم ويشوش عليهم فإن هذا لا يجوز له لما فيه من الضرر، والقاعدة في الشريعة: (إذا تعارضت المصلحة والمفسدة قدم درأ المفسدة على جلب المصلحة)، وهذا من حيث الإطلاق، فكيف إذا كانت المصلحة عامة والمفسدة خاصة؟! لأن تخطي الرقاب يؤذي العامة، أي: عامة الناس، وكونه يدرك الصف الأول فضيلة خاصة، فلذلك تقدم درأ المفسدة هنا على جلب المصلحة، فلا يجوز له أن يتخطى رقاب الناس، ولا أن يؤذيهم بالهيشات ورفع الصوت؛ لأن ذلك مما لا ينبغي في بيوت الله عز وجل؛ ولذلك قال الله سبحانه وتعالى منبهاً عباده المؤمنين على حرمة المساجد، وما ينبغي أن تكون عليه من إجلال وإكبار: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور:36]، ورفع الشيء: إجلاله وتعظيمه، وذلك يكون بالسكينة والوقار في بيوت الله عز وجل.
وجاء عن عمر رضي الله عنه أنه رأى رجلين اختصما في المسجد ورفعا أصواتهما، فلما جاء إليهما قال: ممن أنتما؟ قالا: من أهل الطائف.
قال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضرباً، أي: لمكان حرمة المسجد وأذية الناس في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
فلا بد للإنسان أن يراعي هذه الآداب، ولذلك نبّه العلماء رحمهم الله على أنه كلما كان الإنسان متعاطياً للسنة حريصاً عليها كلما كان موفقاً للقبول في صلاته، وينبغي نصح الناس وتوجيههم إلى عدم الإخلال بهذه السنن، وبيان ما ينبغي من التزامه بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، خاصةً فيما يتعلق بكفّ الأذى.