رابعاً: والسنة لمن خرج إلى المسجد أن لا يشبك بين أصابعه، وأن لا يشتد سعيه.
أما عدم التشبيك بين الأصابع فلأنه في صلاة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تشبيك الأصابع في الصلاة؛ لأن اليهود إذا صلوا شبّكوا، فنهي المسلمون عن التشبيك حتى لا يتشبهوا باليهود، فإذا خرج إلى الصلاة يمتنع من تشبيك الأصابع، وقد جاء في حديث أبي داود تأكيد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما أن لا يشتد في سعيه فمعناه: لا يجري ولا يهرول، ولا يسعى حثيثاً حتى ولو سمع الإقامة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا أقيمت فلا تأتوها وأنتم تسعون، وائتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من أتى إلى الصلاة أن لا يسعى، وثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أتى أحدكم الجمعة فليأتها بسكينة ووقار)، وثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لما خرج إلى الصلاة -أعني صلاة الاستسقاء- خرج متخشعاً متذللاً متبذلاً) صلوات الله وسلامه عليه.
فلا بد من العناية بهذه الآداب.
وقد يقال: هل الأفضل أن يركب الإنسان حتى يحصل الصف الأول في المسجد، أو الأفضل أن يمشي فيحصل فضل السعي إلى المسجد؟ فإن الإنسان لو مشى قد يكون بعيداً عن المسجد، بحيث لو مشى على قدميه ربما فاته الصف الأول، وإذا ركب سيارته أو دابته أدرك الصف الأول، فهل الأفضل مشيه إلى الصلاة تحصيلاً لهذه الفضائل، أو تبكيره بالركوب وفوات فضل المشي عليه بإدراك الصف الأول؟ في هذه المسألة وجهان للعلماء: أقواهما أنه يركب، فيكون فضل الصف الأول مقدّماً على فضل المشي، ووجه هذا الترجيح أن القاعدة: (إذا تعارضت الفضائل قدمت الفضيلة المتصلة على الفضيلة المنفصلة)، فإن المشي إلى الصلاة فضيلة منفصلة عن الصلاة، والصف الأول فضيلة متصلة بالصلاة، ولذلك تقدم الفضيلة المتصلة على الفضيلة المنفصلة، فالأفضل له أن يركب، ولكن كما قال بعض العلماء رحمة الله عليهم: يستحب له أن يجعل في نيته أنه لولا ضيق الوقت لمشى على قدميه، حتى يكتب له الفضلان.