قال رحمه الله: [تحمل الشهادات في غير حق الله فرض كفاية].
أي: أن الشهادة فيها التحمل وفيها الأداء.
والتحمل: هو أن يكون الإنسان يعلم بما يشهد به، فينظر فيما يطلب منه أن يشهده، فيحضر ويسمع ويرى، وتكون شهادته عن علم برؤية أو سماع، أما الأداء: فهو أن يؤدي ذلك في مجلس القضاء.
فالعلماء يقولون: تحمل وأداء، المرحلة الأولى التحمل، والمرحلة الثانية الأداء، والتحمل مقصود من أجل الأداء، فتحمل الشهادة وأداؤها فرض على الكفاية، بمعنى: إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، وهذا أصل في الأمور التي يحتاج إليها، أنه إذا قام بها البعض وسدوا الكفاية سقطت عن الباقين.
وعلى هذا: لو أن شخصاً دعي إلى الشهادة، أو قال لك رجل -وأنت في إدارة أو في أي موضع-: اشهد، فحينئذٍ ننظر إذا كانت القضية يمكن أن يشهد عليها غيرك، وهذا الغير تتوفر فيه شروط الشهادة وتقبل شهادته لو شهد، فإنه حينئذٍ لا يجب عليك تحمل الشهادة، وبإمكانك أن تقول له -إذا كان عندك ظرف أو عمل أو غيره-: اعذرني يا أخي، أو كنت لا تحب أن تذهب وتتحمل بعض المصاعب والمتاعب، فلك أن تقول له: اعذرني، ولك الحق أن تتركها؛ لأنها لم تتعين عليك.
قال رحمه الله: [وإن لم يوجد إلا من يكفي تعين عليه].
أي: إذا لم يوجد غيرك وشاهد آخر، والحق لا يثبت إلا بكما، فحينئذٍ لا يجوز لك أن تتخلى عن الشهادة، ويحرم عليك ذلك، قال تعالى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة:282]، فإذا كانت هناك قضية وقيل لك: اشهد، ولا يوجد غيرك، أو يوجد شخص غيرك لكن لا تقبل شهادته وأنت تقبل شهادتك؛ كما لو كان هناك رجل عنده أولاده، وإذا شهد أولاده لا تثبت شهادة الولد لوالده، فحينئذٍ إذا قيل لك: اشهد، فاشهد، كما لو حدثت مشكلة أو خصومة، ولا يوجد إلا أنت وشخص آخر معك، فحينئذٍ يجب عليك ويتعين عليك أن تسمع وأن تعلم؛ لأن هذا يؤدي إلى وصول الحق إلى صاحبه، ويؤدي إلى منع الظالم من الظلم، وإنصاف الناس في حقوقهم، ويؤدي إلى معونة القضاء على ذلك؛ لأن القضاء بلاء، ولا يمكن دفع هذا البلاء بشيء مثل الشهادة، كما قال بعض أئمة السلف، وهذا مروي عن شريح: القضاء بلاء، فادفعه عنك بعودين.
يعني: بشاهدين، فهذان العودان: هما الشاهدان، فإذا جاءا وشهدا انتهى الأمر، فقالا: سمعناه يقول كذا، رأيناه يفعل كذا، فحينئذٍ يعرف المحق من المبطل.
أما إذا كان الأمر فيه سعة، ويوجد من يمكن أن يشهد ويتحمل فلك الخيار، والأفضل أن تشهد؛ إحقاقاً للحق، وإبطالاً للباطل، ومعونة لأخيك، وتثاب على ذلك، وأنت مأجور عليه، لكن إذا خشيت بعض التعقيد أو الضرر أو نحو ذلك، فلك الحق أن تمتنع.