يقول المصنف رحمه الله: [كتاب الشهادات].
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: قوله: (كتاب الشهادات) الشهادات: جمع شهادة، تطلق الشهادة بمعنى الحضور، تقول: شهدت كذا إذا كنت حاضراً، ومنه سمي الشهيد شهيداً؛ لأن الملائكة تحضره، قال صلى الله عليه وسلم لـ جابر حينما كان يكشف الثوب عن وجه أبيه ويبكي، وقد استشهد يوم أحد، قال صلى الله عليه وسلم: (ابكيه أو لا تبكيه، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع)، ومنه قوله تعالى: {وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ} [القصص:44] أي: من الحاضرين، وتطلق الشهادة بمعنى العلم، تقول: أشهد بكذا بمعنى: أعلم، كقولك: أشهد أن لا إله إلا الله، أي: أعلم علم اليقين أنه لا إله إلا الله، ومنه الشهادة في القضاء، فهي منتزعة من المعنى الثاني.
وأما في الاصطلاح: فهي الإخبار عن حق للغير، بلفظ مخصوص، وإخبار مخصوص، عن شيء مخصوص.
والأصل في مشروعيتها الكتاب والسنة، أما الكتاب فإن الله سبحانه وتعالى قال: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:282]، وقال سبحانه: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة:282]، وقال سبحانه: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة:282]، وقال تعالى: {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور:4]، فهذا نص الكتاب.
وأما نص السنة: فقد جاء في قصة الحضرمي كما في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ وائل بن حجر: (شاهداك أو يمينه) وهذا يدل على أن الشهادة حجة في القضاء، وحجة في النزاع والخصومات.
وقد أجمع العلماء رحمهم الله على اعتبارها حجة من حجج الإثبات في القضاء الإسلامي.
وأما في العقل: فالعقل يدل على مشروعية الشهادة؛ لأن الناس يحتاجون إلى من يوثّق معاملاتهم، خاصة في حال الخصومات والنزاعات، والشهادة طريق إلى ذلك.