وقوله: [وحسمتا]: لأن النزيف قد يهلكه، فتحسم بالزيت حتى تنسد أفواه العروق، لأنها لو تركت من دون حسم فإنه سينزف، وإذا نزف فإنه يموت، وهكذا الرجل تحسم حتى لا ينزف، وفي زماننا يمكن إيقاف النزيف بالطرق الطبية المعروفة، فلا بأس أن توقف، ولكن لا تخدر يده أو رجله، وإنما يذوق ألمها كما آلم المسلمين جماعة وأفراداً، فيتألم ويذوق الألم، ولا يجوز شرعاً أن يخدر؛ لأن هذا لا يجعله يحس بشيء، ولا يجد مرارة الذنب وأثر الجريمة كما ينبغي، لكن إذا قطعت يده وهو تحت وطأة الألم، فصاح وتأوه وتضرر وتألم، حتى أبلغ صياحه الناس، وسمعه الخلق وتأثروا؛ وقع المقصود شرعاً.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نزلت عليه هذه العقوبة دون وجود معالم رفق؛ لأن الله يقول في الحدود: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور:2] فليس هناك رأفة بمن يستحقها، وهذا من عدل الله الذي قامت عليه السماوات والأرض، والرحمة توضع في موضعها، لكن هناك من يرحمون القاتل الجاني! ويقولون: كيف تقتلونه؟ وهم دعاة الحقوق، يقولون: كيف ييتم أطفاله، وكيف ترمل نساؤه؟ وذلك لأن عقولهم قاصرة، ونظرتهم عمياء، ألا شاهت وجوههم، ينظرون إلى القاتل أنه سييتم أطفاله، وترمل نساؤه، ولا ينظرون إلى من قتل وأزهقت روحه بالباطل، أف لهم وما يدعون، وهذا من الباطل، والمبطلون دائماً نظرتهم قاصرة، ومعارفهم محدودة؛ لأن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بأنه الحكيم العليم، وهؤلاء لا حكمة عندهم ولا علم، لأن من يقف في وجه شرع الله عز وجل فقد سلب البصيرة والعياذ بالله، وانطمس نورها من قلبه، وذهب فرقان الحق ونوره من صدره، فأصبح كما قال الله تعالى: {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ} [الأنعام:71] فلا يدري ولا يعي ما يقول.
فهؤلاء الذين ينظرون إلى الجاني دون المجني عليه لا شك أن نظرتهم قاصرة، فنحن نقول: إنها لا تخدر اليد، ولا يرأف به ولا يشفق عليه ولا يرحم، وإنما يعاقب بعقوبة الله، ويذوق ألمها ويحس بهذا الألم وبمرارته، بغض النظر عن كونه قطعاً أو غير قطع، قطعاً في الحرابة أو قطعاً في السرقة.
وقوله: [ثم خلي] أي: يترك، ولا يوجد عقوبة زائدة، فإذا قيل: تقطع يده ورجله من خلاف فهذا حد الله، ولا يزاد على حدود الله المقدرة.