أعلى ما يكون في حد الحرابة أن يجمع بين القتل والتصليب وبعض العلماء فرقوا فقالوا: لا يجمع بين القتل والصلب إلا إذا اجتمع الاعتداء على النفس والاعتداء على المال، ثم فصلوا في الاعتداء على المال، فقالوا: لا نأمر بصلبهم بعد القتل بناءً على اعتدائهم على المال إلا إذا كان السبب الباعث لهجومهم واعتدائهم إرادة وطلب المال، وعلى هذا القول يفرق بين القتل من أجل أخذ المال، وبين القتل دون قصد أخذ المال.
ففي الصور التي يجمع فيها بين العقوبتين: أن يأتي إلى محل تجاري أو إلى بنك ويهجم عليه فيقتل الحارس أو يقتل أي شخص ممن هم موجودون ثم يأخذ المال، فحينئذٍ يتبين أن الجريمة من أجل أخذ المال، وأنهم قتلوا من أجل الوصول إلى المال، وفي هذا الوجه يجتمع العلماء على أنه يقتل ويصلب.
الصورة الثانية: وهي محل الخلاف، وذلك أن يكون مقصودهم القتل، مثل أن يقع بين العصابة وبين شخص آخر عداوة ويريدون قتله، فيأتون إليه في منزله أو في عمله ويدخلون تحت وطأة السلاح فيقتلونه ثم يأخذون ماله، ففي هذه الحالة لم يكن أخذ المال مقصوداً، وإنما جاء تبعاً لجريمة القتل، وعلى القول الذي يشترط أن يكون القتل من أجل أخذ المال، يقولون: لا يصلبون، وإنما يقتلون.
والصحيح أننا نقول: إنه يجب صلبهم سواء قتلوا من أجل أخذ المال، أو قتلوا بدون قصدٍ وأخذوا المال ولم يكن قصدهم من القتل أخذ المال وإنما إرعاب الناس، أو العداوة أو الأذية ونحو ذلك.
وقوله: [وأخذ المال قتل ثم صلب حتى يشتهر] القتل وأخذ المال جريمتان، ويستوي أن تكون من الجميع أو من البعض.
فمن الجميع مثلاًَ: ثلاثة أشخاص تعرضوا بسلاحهم لرجل ومعه زوجته وأخته، وكل واحد منهم قتل واحداً وأخذ المال الذي معه، حينئذٍ كل واحد منهم يصدق عليه أنه قاتل وآخذ للمال، ولا إشكال في هذه الصورة أن القتل يكون من الجميع وأخذ المال من الجميع.
أما من البعض: فمثلاً: جاءت عصابة أو جاء قطاع طريق وهجموا على قرية أو مدينة، فدخلوا محلاً تجارياً، فأشهر أحدهم السلاح على من بداخل المحل، وقام الآخر بطعن شخص تعرض له، فقتله، وقام الثالث بجمع الأموال الموجودة في الخزنة.
إذاً: أحدهم هدد وهو الذي رفع السلاح، والثاني باشر جريمة القتل، والثالث باشر جريمة السرقة، وفي هذه الحالة قلنا: لا يشترط، وهناك تفصيل عند بعض العلماء، ولكن الصحيح هو مذهب الجمهور أنه لا يشترط أن يكون الجميع قتلة، ولا يشترط أن يكون الجميع أخذوا المال، ولا يشترط أن يكون الجميع هم الذين يمارسون العمل، فالكل حكمهم واحد: أن يقتلوا ويصلبوا، هذا الذي نختاره، وهذا القول هو الراجح إن شاء الله تعالى.