بين المصنف رحمه الله أن من قتل وأخذ المال قد اختلف العلماء فيه على قولين: فمنهم من قال: يشترط أن يبلغ المال حد النصاب، وقد تقدم معنا بيان حد النصاب، والدليل الشرعي على تحديده وخلاف العلماء رحمهم الله.
ومن أهل العلم من قال: إن هذا المال الذي يأخذه المحارب ويستوجب قتله أو قطع يده ورجله من خلاف -كما سيأتي- لا يشترط فيه أن يكون قد بلغ حد النصاب في السرقة، وهذا القول هو الصحيح؛ وذلك أن الله سبحانه وتعالى حد للسرقة نصاباً، وفي الحرابة لم يثبت في الكتاب ولا السنة تحديد للقطع فيها بالنصاب.
فلو قال قائل: إننا نلحق هذا بهذا.
قلنا: لا يصح ذلك، فإننا وجدنا أن عقوبة الحرابة جمعت بين قطعين: قطع اليد والرجل من خلاف، وهذا لا يكون في السرقة إلا بجريمة مكررة -أي: مرتين- فدل على أن مقصود الشرع تعظيم الجناية، وحينئذٍ فكوننا نقيسها على السرقة ليس بوارد؛ لأنها جاءت فيها عقوبة السرقة مضاعفة مرتين، فإذا قالوا بالنصاب فيلزمهم أن يقولوا: يكون النصاب مضاعفاً؛ لأنه قطع لليد والرجل من خلاف، ومن المعلوم أن السارق تقطع يده، فقطع العضوين لا يكون إلا مكرراً إلا على القول الذي تقدم أن بعض العلماء يختارون أن السارق إذا تكررت سرقته بد قطع يده أنها تقطع رجله.
والشاهد من هذا أن القول بالتوقيت ضعيف، والصحيح أنه لا يحد في قطعه، وبناءً عليه فلو هجمت عصابة مسلحة على محل تجاري في الاستراحات أو في البراري على القول بأن الحرابة تكون خارج المدن، أو هجموا داخل المدن عياناً أمام الناس فأشهروا السلاح، وجاء واحد منهم وأخذ من الصندوق أو أخذ من الرفوف شيئاً لا يساوي النصاب، حتى لو أخذ علبة عصير لا تعادل النصاب وشربه واستباحه أو أخذه معه، فإنه في هذه الحالة يكون قد تحقق المقصود من الاعتداء على المال، وهذا من أبلغ ما يكون، أي أنه إذا نظر إلى حد الحرابة وجد أن قضية التهديد بالسلاح مؤثرة جداً في إثبات جريمة الحرابة، حتى يوصف بكونهم قد حاربوا الله ورسوله.
ومن هنا نجد طائفة من العلماء اشترطوا أن يكون من المحاربين إشهار للسلاح، فمحور الجريمة يعود على الخروج والعصيان الظاهر، وحينئذٍ يستوي أن يكون ما أخذوا من المال يساوي النصاب أو لا يساويه، لأننا ما جئنا هنا لنطبق حد السرقة حتى نشترط ما يشترط في السرقة، ولذلك لم نشترط الحرز، فلماذا أسقطنا شرط الحرز؟ ومن المعلوم أن السرقة تكون خفية والحرابة تكون علانية، فتبين أن هذه جريمة وتلك جريمة أخرى مختلفة عنها.
وبما أن جريمة الحرابة علانية فإن فيها تحدياً عظيماً للمسلمين بخلاف جريمة السرقة فهي خفية، وفيها استتار ونوع من الرعاية للحرمة والخوف والهيبة، لكن أن تكون عياناً بياناً تحت وطأة السلاح أمام الناس فإن هذا شيء آخر، والحرمة فيها أشد، فينبغي أن تكون العقوبة أبلغ، ومن هنا لا يشترط أن يكون المال الذي يأخذونه قد بلغ النصاب، وأن العبرة في اعتدائهم على المال.
إذا ثبت هذا فحينئذٍ يستوي أن يأخذوا أو يتلفوا، فالعصابات المسلحة لو أنها دخلت بيوت الناس فأتلفت شيئاً من المال أثناء دخولهم كأن كسروا مثلاً زجاجات المحلات، وقتلوا ولو شخصاً واحداً، ثبت القتل وثبت الاعتداء على المال، وحينئذٍ يقتلون ويصلبون.