قال رحمه الله: [أو بإقرار].
الإقرار حجة، والإجماع منعقد على أنه ليس هناك حجة أقوى من الإقرار؛ لأن الإقرار شهادة الإنسان على نفسه، وليس هناك عاقل يشهد على نفسه بالضرر، بل إنه لا يشهد على نفسه إلا وهو صادق في شهادته، ولذلك يعتبر الإقرار عند بعض العلماء -كما يعبرون- سيد الأدلة؛ لأنه ليس هناك حجة مثل الإقرار، ولذلك اختاره الله عز وجل في أعظم الأمور، وهو الشهادة على وحدانيته، وأخذ العبادة بشهادة الإقرار، فقال سبحانه: {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا} [آل عمران:81]، فالشاهد من هذا: أن الإقرار هو أقوى الحجج، ولكن لابد وأن يكون المقر عاقلاً؛ فلا يقبل إقرار المجنون ولا السكران على التفصيل في مسألة السكر، وسبقت معنا هذه المسألة، وسنبينها -إن شاء الله- في باب الإقرار، والأصل في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيح من حديث بريدة بن الحصين رضي الله عنه وأرضاه- لما أقر عنده ماعز بن مالك بالزنا قال عليه الصلاة والسلام: (أبك جنون؟ فأخبر عليه الصلاة والسلام أنه ليس بمجنون، فقال بعد ذلك عليه الصلاة والسلام: أشربت خمراً؟ فقام رجل فاستنكهه) يعني: شم رائحة فمه، فالصحابي أقر واعترف بالجريمة، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: (أبك جنون؟) وهذا يدل على أن المجنون لا يقبل إقراره، ثم قال له: (أشربت خمراً؟) وهذا يدل على أن السكران لا يقبل إقراره، فإذا أقر فلابد وأن تتوافر فيه الأهلية للإقرار، ولذلك لا بد من البلوغ والعقل وسلامته من الآفات، وألا يكون متهماً في إقراره، والجمهور على أنه لو أقر بالسرقة لا يقبل إقراره مجملاً، ولذلك يزاد شرط التفصيل في الإقرار، فلابد أن يبيّن المال الذي سرقه، وقدره، حتى نستطيع أن نعرف: هل بلغ النصاب أو لم يبلغ؟ وكذا نوعه حتى نستطيع أن نعرف: هل هذا يوجب القطع أو لا يوجبه؟ فلابد من توافر هذه الشروط حتى يعتد بإقراره، وسيأتي -إن شاء الله- تفصيل شروط الإقرار العامة.