Q هل إذا قمت في ليالي رمضان منفرداً في بيتي يكتب لي قيام ليلة، وإذا كان ذلك فكيف أجمع هذا مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)؟
صلى الله عليه وسلم لا يكتب للإنسان أنه قام ليلة إلا إذا استتم القيام كاملاً لليلة، هذا بالنسبة إذا كنت تريد أن تحيي الليل، مثل: العشر الأواخر إذا أحييتها بالصلاة، لكن فضيلة الصلاة مع الأئمة جاء لها استثناء، وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكثر المأمومين وراء أئمتهم فقال: (من قام مع إمامه حتى ينصرف) وهذا الحديث المقصود به أن يبقى المأمومون وراء أئمتهم، فلا يأتِ إنسان ويقول: لدينا إمام أول وإمام ثانٍ، فإذا انصرف الأول انصرفنا معه.
هل يعرف في زمان النبي صلى الله عليه وسلم إمامان؟ إذاً: الأصل أن ننظر ماذا قصد الشرع؟ هل قصد الصورة أم قصد المعنى؟ بل قصد المعنى وهو: أن نقوم مع الأئمة ولا ننصرف عنهم، ويقولون: استنباط المعنى من النص الذي يعود بإلغاء معنى النص باطل، فمقصود الشرع أن تقوم مع الإمام حتى ينصرف، فخرج مخرج الغالب، ففي زمان النبي صلى الله عليه وسلم الغالب فيه أن يؤم إمام واحد، وعلى هذا لو جاء يستنبط من هذا النص: أن ينصرف مع الإمام حتى في أول الصلاة فإنه سيلغي معنى النص؛ لأن معنى النص المراد به التكثير، لماذا قيل: (من قام مع إمامه)؟ هل جاء لصورة أم جاء لمعنى؟ بل جاء لمعنى وهو: الحرص على متابعة الأئمة والحرص على الصلاة معهم.
فقوله: (من قام مع إمامه) المراد به: أن يقوم مع إمامه إلى أن ينصرف، فإذا ثبت هذا؛ فإن هذا المعنى موجود في الجماعة، وليس موجوداً في الفرد؛ لأن الفرد ليس له إمام، وليس هناك إمام يريد أن يتابعه فيكثر سواده؛ لأن الصلاة صلاة نافلة، ولذلك ورد الترغيب فيها بهذا المعنى، فإذا أراد قيام الليلة وكان يريد أن يحصل الفضيلة فليصلِّ مع الجماعة.
لكن السؤال هل الأفضل أن يصلي مع الجماعة أول الليل أم الأفضل أن يصلي في بيته وحده ويحيي آخر الليل؟ الأشبه أن صلاته في بيته -إذا كان حافظاً للقرآن خاشعاً مخلصاً ويتأثر ويضبط القرآن، ويعطي للقرآن حقوقه- أفضل؛ ولذلك عمر رضي الله عنه ترك الجماعة، وكان يمر عليهم ويقول: (نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل)، وهو الذي أمرهم أن يجتمعوا، لكن ينقسم الناس إلى قادر وغير قادر، فعامة الناس في غالب أحوالهم لا يقدرون أن يقوموا السحر وآخر الليل، ومن هنا جعل التراويح لهم في أول الليل ولكن قال: (والتي ينامون عنها أفضل)، فهم في حال حسن، وهناك ما هو أحسن وأكمل، وأكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا بقوله: (صلوا في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة)، فالأفضل والأكمل أن يصلي في بيته بالصفات التي ذكرناها: أن يكون قادراً على إحياء آخر الليل بالقرآن، قادراً على القيام في آخر الليل، لأن ذلك يكون أخشع لقلبه، وأكثر تأثراً، وقد يصلي مع جماعة وإمامه يسرع في القراءة، ولا يستطيع أن يتدبر القرآن كما ينبغي، ولكن إذا خلى بربه وخلى في بيته وقرأ القرآن بورك له في قراءة القرآن في بيته، وبورك له في نفسه، وبورك له حتى في البيت الذي يقرأ فيه، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم فليجعل من صلاته في بيته، فإن الله جاعل له من صلاته في بيته خيراً)، هذا بالنسبة لمن يقدر.
أما إذا كان ضعيفاً أو كان لا يستطيع أن يقوم آخر الليل، فيحرص على أن يقوم مع الجماعة، وهذا هو الأشبه.
وقوله عليه الصلاة والسلام: (من قام مع الإمام حتى ينصرف) له أن ينوي في قرارة قلبه أن يحصل على الفضيلة لوحده حتى يكتب له الأجر بالنية، والله تعالى أعلم.