Q أشكل عليّ من أراد أن يصلي في الليل هل يسلم مع الإمام في التراويح حتى يكسب قيام ليله أم يشفع الوتر بركعة حتى يصلي في آخر الليل، وتكون صلاته آخر الليل وتراً؟
صلى الله عليه وسلم الذي يظهر -والعلم عند الله- أن أقوى الأقوال في هذه المسألة أنه يسلم مع الإمام، ويصيب فضيلة من قام مع الإمام حتى ينصرف، ثم ينتظر إلى آخر الليل ويأتي بركعة ينقض بها الوتر، ولذلك أصل في السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل الوتر ناقضاً للوتر، والدليل على ذلك: قوله عليه الصلاة والسلام: (لا وتران في ليلة)، فقوله: (لا وتران في ليلة) يدل على أنه لا يجوز للمسلم أن يقتصر على الوترين، وهذا يدل على أن الوتر الثاني ينقض الوتر الأول.
ومن هنا: يجوز له أن يوتر وترين للحاجة ثم يوتر الوتر الأخير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه تأخير الوتر إلى السحر، وفعل ذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ فإنه كان إذا صلى الوتر أول الليل قام آخر الليل فصلى ركعة نقض بها الوتر الأول ثم صلى ما شاء ثم أوتر، وهذا هو الأشبه لما فيه من موافقة السنة.
أما كونه بعد سلام الإمام يقوم ويأتي بركعة فهذا فيه إشكالات: أولاً: لأنه يدخل مع الإمام بنية المخالفة في العدد، وفرق بين المخالفة في النية فرضاً ونفلاً وبين المخالفة في صورة الصلاة، والمخالفة في صورة الصلاة مؤثرة؛ ولذلك جماهير العلماء والأئمة من السلف رحمهم الله -حتى على مذهب الأئمة الأربعة- لم يصححوا صلاة المغرب وراء العشاء لاختلاف صورة الصلاتين، وحينئذٍ سيدخل بثنائية وراء فردية فيضطر إلى الجلوس بالتشهد ولا يعرف في الشرع الجلوس بين ركعتين في ثنائية، إنما يكون الجلوس في آخر الثنائية أو يكون في آخر الوترية إذا كانت واحدة.
ثانياً: سيستبيح الدعاء بعد الركعة الأولى وهو يعلم أنه سيصلي ركعتين، فإذا قال قائل: إن هذا كان لمكان المتابعة، فنقول له: إذاً: يتابع الإمام على الحقيقة، فيسلم مع الإمام، والقول بأنه بعد سلام الإمام يأتي بركعة، يقول به بعض العلماء، والصحيح أنه يسلم مع الإمام تحقيقاً للمتابعة وإعمالاً للأصل وخروجاً من المخالفة؛ لأنه يفعل أموراً لا تعرف في سنن الصلاة الشرعية من الجلوس بين الركعتين، وإحداث الدعاء في الركعة الأولى، وإنما عرف في الشرع القنوت في الثنائية بعد الثانية وليس بعد الأولى إذا كانت ثنائية، أو القنوت بعد الأولى كما في الوتر، الأول كما في الفجر، والثاني كما في الوتر، وحينئذ يخرج عن سنن الصلاة، فلو قال قائل: هذا للمتابعة، نقول: نعم، هذا في الفريضة حينما يلزم، ولكن هنا ليس بملزم، وبإمكانه أن يحقق الموافقة في الشرع بالتسليم مع الإمام، وخاصة وأنه يحوز على فضيلة متابعة الإمام حتى ينصرف، والله تعالى أعلم.