إذا كان النصاب معتبراً شرعاً؛ ف
Q كم هو النصاب؟ ذهب الحنابلة، والمالكية من حيث الجملة -وعندهم تفصيل- إلى أن النصاب ما يعادل ربع الدينار من الذهب، وثلاثة دراهم من الفضة، والمالكية يرون أن الدراهم هي الأصل، والحنابلة يرون أن الدراهم والدنانير كلاهما أصل، أو ما يعادل قيمة أي واحد منهما، وهذا المذهب هو الذي اختاره المصنف -رحمه الله- ودرج عليه، وهو قول طائفة من السلف رحمهم الله، هذا القول الأول.
القول الثاني: أنه لا يعتد إلا بربع دينار، وأن نصاب السرقة هو: ربع دينار، ولا ينظر إلى الفضة، وأنه لا بد من التقييم بالذهب وحده، وهذا مذهب الشافعية.
القول الثالث: أن النصاب هو: ربع دينار، أو عشرة دراهم، وهو مذهب الحنفية رحمهم الله.
والذين قالوا بأن العبرة بربع دينار أو بثلاثة دراهم، أو ما يعادل قيمة أحدهما استدلوا بالسنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأما ربع الدينار فالحديث ثابت في الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً) إذاً: هذا أصل في الذهب، ونعتبر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا قطع إلا في ربع دينار) أن ما يساوي من الذهب ربع الدينار فأكثر نقطع به.
وأما الدراهم: فعندنا حديث ابن عمر رضي الله عنهما وهو في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في دلو قيمته ثلاثة دراهم.
وهذا يدل: على أن الثلاثة دراهم نصاب في السرقة.
والذين قالوا: إن العبرة بربع الدينار -وهم الشافعية- احتجوا بحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
والذين قالوا: إن العبرة بعشرة دراهم استدلوا بحديث الحجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (لا قطع إلا في عشرة دراهم)، وهذا حديث ضعيف.
والذي يترجح هو القول بأن العبرة بربع دينار من الذهب، أو ثلاثة دراهم من الفضة، أو يعادل أي واحد منهما.
والفرق بين قول الشافعية والحنابلة: أنه لو سرق ثوباً وقيمة هذا الثوب -مثلاً- ثلاثة دراهم، ولكنها لا تعادل ربع الدينار، فحينئذ عادل نصاب الفضة، ولم يعادل نصاب الذهب، فالشافعية لا يقطعون، والحنابلة يقطعون، وهو الصحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في المجن وقيمته ثلاثة دراهم، وهم يجيبون عن هذا، ولكن يعادَل بالذهب أو بالفضة، أو ما هو معادل لقيمة الذهب أو قيمة الفضة، وهذا هو الصحيح، وله أصل، واحتج بعض العلماء -رحمهم الله- في هذه المسألة مثل الإمام ابن قدامة بأن هذا التقدير، وهذا المسلك اعتبره نفس الحنفية، والشافعية في كتاب الزكاة، واعتبروه في تقييم الأنصبة، واعتبروه في الديات في القتل كما مر معنا.
إذاً: قول الحنابلة في هذه المسألة أشبه وأولى -إن شاء الله- بالترجيح وأن العبرة بربع دينار من الذهب، أو ثلاثة دراهم من الفضة، أو ما يعادل إحدى القيمتين.
ويتفرع على هذا: إذا قلنا: ربع دينار؛ أنه يقطع إذا كسر الدينار، وأخذ من هذا الكسر ما يعادل الربع، أو كان فيه كسرة تعادل ربع الدينار، ويشترط في قطعه بربع الدينار: أن يكون وزنها خالصاً من الذهب، فلو كان ربع الدينار فيه غش مضروب، وفيه مادة من النحاس، بمقدار عشرة في المئة، أو عشرين في المئة، مغشوش بهذا القدر؛ فإن ربع الدينار ليس بخالص، فلا بد أن يكون مصفىً من الذهب بعدل ربع الدينار، فإذا نقص بالشوب؛ فإنه لا قطع.
فيستوي في الربع الدينار أن يكون ربع دينار، أو يكون مقطعاً أجزاء، ويستوي أن يكون من الدينار نفسه، أو يكون من الذهب تبراً، أو حلياً، أو سبائك، وكل هذا إذا عادل الذهب الخالص منه ما قيمته ربع دينار؛ فإنه تقطع به اليد.
كذلك قولهم: ثلاثة دراهم، فإن أي شيء من الفضة يعادل بعد التصفية من الشوب ثلاثة دراهم فإنه تقطع به اليد.
يستوي أن تكون الفضة من الدراهم نفسها ثلاثة، أو تكون ثلاثة دراهم مكسرة، أو تكون قطعاً فضية وزنها وزن الثلاثة دراهم خالصة، أو تكون -مثلاً- أقلاماً، أو حديداً مطلياً بفضة ولو صفي هذا الطلاء الموجود لعادل ثلاثة دراهم؛ ففيه القطع.
كذلك أيضاً: ما قيمته ربع دينار، وما قيمته ثلاثة دراهم: لو أنه سرق مجوهرات، فإننا ننظر إلى قيمة هذه المجوهرات، فلو سرق خاتماً من زبرجد، أو خاتماً من عقيق، أو خاتماً عليه أحجار كريمة، أو خاتماً من حديد، نظرنا قيمة هذه الأحجار الكريمة وقيمة الخاتم، فإن كان هذا الخاتم من حديد بنقشه وما فيه من الأحجار الكريمة وما هو مرصع به من الجواهر يعادل ربع الدينار في قيمته أو يعادل ثلاثة دراهم في قيمته؛ قطعنا يده.
وهكذا لو أنه دخل إلى محل وكسر حرزه وسرق منه -مثلاً- كيس أرز أو كيس سكر نظرنا إلى قيمة هذا السكر أو الأرز، فإن كانت قيمته تعادل ربع الدينار أو تعادل قيمته ثلاثة دراهم؛ أوجبنا القطع.
ولو دخل -مثلاً- مكتبة، وكسر بابها، ودخل إلى داخلها، فسرق منها كتباً أو أقلاماً أو دفاتر، أو دخل إلى محل قماش فسرق منه طاقات قماش؛ ننظر إلى عدل هذه الأشياء من غير الذهب والفضة بالذهب والفضة، فإن بلغت بالذهب ما قيمته ربع الدينار فصاعداً قطعت يده، وإن بلغت بالفضة ما قيمته ثلاثة دراهم فصاعداً قطعت يده، وهذا هو الصحيح، وهو الذي اختاره المصنف رحمه الله، وأن الأمر لا يختص بنصاب الذهب، بل إنه يشمل الذهب أو الفضة أو ما يعادل إحدى القيمتين.