قال المصنف رحمه الله: [فلا قطع على منتهب].
يقول رحمه الله: (فلا قطع على منتهب)، وهذا ما ثبتت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا قطع على خائن، ولا مختلس، ولا منتهب)، والحديث صححه غير واحد من العلماء رحمهم الله، وأجابوا على ما أورد عليه من الانقطاع بين ابن جريج وأبي الزبير محمد بن تدرس المكي، وصحح غير واحد إسناده، واختار الشيخ الألباني رحمه الله في الإرواء تصحيحه، والحديث صحيح أنه لا يقطع المنتهب، ولا المختلس، ولا الخائن، قال صلى الله عليه وسلم: (لا قطع على منتهب، ولا مختلس، ولا خائن)، وقال الإمام الترمذي: إنه حديث حسن، وأثبت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه مما يحتج به.
والمنتهب -كما ذكرنا- هو: أن يأخذ المال على سبيل النهبة، وتكون عياناً، فذكر المصنف رحمه الله المنتهب؛ لأنه سبق وأن بيّن وجه الخفية، فخرج المنتهب؛ لأنه يكون على وجه العلانية.
قال رحمه الله: [ولا مختلس].
المختلس هو: الذي يتغفل الإنسان فيختلس منه الشيء دون أن يكون على علم، وغالباً المختلس يفقد فيه شرط الحرز، ومن هنا يكون الشخص غافلاً فيختلس ماله وهو على الطاولة، أو يختلس ماله وهو على المكتب، فهذا ليس بسرقة إنما هو اختلاس.
فبيّن المصنف رحمه الله: أنه لا بد من شرط الحرز، والمختلس يأخذ من غير الحرز، لأنه لا يستطيع أن يختلس إلا إذا كان المال أمامه، ويكون مثلاً شخص أخرج النقود -كالصرّاف- ووضعها أمامه يريد أن يحاسب شخصاً ثم غفل أو كانت يد ذلك المختلس خفيفة فأخذ من هذا المال، هذا من غير حرز، وحينئذٍ لا تقطع يده.
قال رحمه الله: [ولا غاصب].
وهو الذي يأخذ المال بالقهر والقوة، فلو أن شخصاً أخذ أرض شخصٍ بالغلبة، أو اغتصب منه شبراً من أرضه أو متراً، أو أخذ مزرعته أو أخذ بيته وعمارته فإنه لا يقطع؛ لأنه أخذ المال على غير وجه الخفية؛ لأن الغصب يكون علانية.
قال رحمه الله: [ولا خائن في وديعة].
الخائن هو: الشخص الذي يؤتمن على أموال الناس، فيضيع الأمانة نسأل الله السلامة والعافية، فلو أنه وضع المال عنده لكي يحفظه وديعة، فسرق من هذا المال أو أخذ منه فإنه لا تقطع يده؛ لأنه حينما أعطي المال نزّل منزلة الوكيل، وحينئذٍ لا يتأتى فيه ما في السارق من كونه يأخذ المال على سبيل الخفية دون علم من صاحبه، والخائن لا يتوافر فيه أخذ المال من الحرز؛ لأنه هو في الأصل أعطي كحافظ للمال فهو حرز المال وهو حفظه، ومن هنا لا يعتبر شرط الحرز متحققاً في الخائن، ولو أنه أعطي وديعة ثم أنكرها وجحدها، فإنه إذا تبين أنه جاحد للوديعة لم يقطع؛ لأنه لا قطع في خيانة كما نص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عنه.
قال رحمه الله: [أو عارية أو غيرها].
الوديعة: تأتي للشخص وتقول له: هذه عشرة آلاف ضعها عندك أمانة إلى نهاية السنة، وهذا محدد الوقت، أو إلى أن أطلبها منك، وهذا غير محدد الوقت، فهذه وديعة.
أما العارية: كأن يأتي شخص مثلاً ويأخذ سيارتك ويقول: أريد هذه السيارة من أجل أن أسافر بها إلى المدينة، ثم أخذ السيارة وفرّ بها، ففي هذه الحالة لا نعتبرها سرقة؛ لأنه ليس على سبيل الخفية، وأنت على علم أن سيارتك عنده.