Q من شرب الخمر للمرة الرابعة هل يقتل أم يجلد الحد، أثابكم الله؟
صلى الله عليه وسلم باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فمسألة قتل شارب الخمر في الرابعة فيها حديث الترمذي المشهور، وهذا الحديث ذكر الإمام الترمذي رحمه الله أن العلماء عملوا بأحاديث جامعه إلا حديث شارب الخمر في الرابعة، ومن العلماء من قال: إنه منسوخ، وعلى القول بنسخ الحديث لا إشكال.
لكن هناك من أهل العلم من يقول: إن قتل شارب الخمر في الرابعة يرد إلى القاضي وإلى الحاكم إذا رأى المصلحة فيه، فمثلاً لو وجد أن شخصاً إذا شرب الخمر فعل أفعالاً عظيمة، وتقع منه جرائم عظيمة، شربها المرة الأولى فأطلق النار على شخص وكاد أن يقتله، ثم شربها المرة الثانية فجاء إلى جماعة وكاد أن يقتلهم، ثم شربها المرة الثالثة فوقع منه مثل ذلك، ثلاث مرات ويقع منه الضرر العظيم، فبقاؤه شر, فجلده المرة الأولى فلم ينزجر، ثم جلده المرة الثانية فلم ينزجر، ثم جلد المرة الثالثة فلم ينزجر، قالوا: في هذه الحالة يسوغ للإمام أن يقتله تعزيراً، وهي مسألة التعزير بالقتل، وهذا مذهب طائفة من العلماء رحمهم الله.
ولكن في الحقيقة هذا الحديث فيه إشكال، والإمام الترمذي رحمه الله حكى الإجماع على رفع حكم الحديث، وهو رحمه الله حجة في نقل فقه العلماء، وهذا ينبغي أن ينتبه له، فالإمام الترمذي أوتي من الورع والضبط لخلافات العلماء، والإلمام بمذاهب الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة، رحمه الله برحمته الواسعة فلا يمكن أن يحكي الإجماع من فراغ، ولا نقول: إننا نرفع حكم الحديث بمجرد حكاية، لكن نقول: الإجماع إذا ثبت فإنه يرفع الحديث؛ لأنه ليس هناك إجماع إلا بمستند، يستغرب البعض ويقولون: كيف نرفع السنة بالإجماع؟ هذه مسألة نبه عليها علماء الأصول رحمهم الله والأئمة وأنه ليس رفعاً للسنة بالإجماع، وإنما أجمع العلماء -خلافاً للعنبري - من أئمة الأصول على أنه ليس هناك إجماع إلا وله مستند نقلي قد يذكر وقد لا يذكر.
وبناء على ذلك فأنت حينما تنسخ الحديث بالإجماع أو ترفع حكم الحديث بالإجماع فأنت رافع للنص بالنص، ولست رافعاً للنص بأقوال الرجال وإجماعهم هذا من وجه.
الوجه الثاني: أن الأصل حرمة المسلم فلا يستباح دمه إلا بدليل بيّن واضح، وقد جاءت الأدلة صريحة في هذا المعنى، وأنه: (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)، ونقول: إنه إذا عمل بالحديث فإننا نعمل به من باب التعزير عند من يقول: بأنه يجوز أن يكون التعزير بالقتل، وستأتي هذه المسألة إن شاء الله في باب التعزير، والله تعالى أعلم.