Q أخي يتعاطى الخمر، ومع ذلك لا يصلي، وهو متزوج وله أولاد، وهو في غالب وقته كذلك، وأنا أريد أن أدعوه، فهل يجوز لي أن آكل من طعامه، وأن أدعو له وأن أضاحكه؛ لأنه مع ذلك لين القلب، أثابكم الله؟
صلى الله عليه وسلم نسأل الله العظيم أن يهدي قلبه، ويتوب علينا وعليه وعلى المسلمين أجمعين، وأن يرفع عن كل مبتلىً بلاءه.
أخي في الله! أولاً: عليك بمناصحته، وواجب عليك أن تسعى في نجاة أخيك من النار، وهذا فرض عليك، والدعوة للأقارب أعظم وآكد من دعوة الغريب، دعوة القريب أعظم وجوباً من دعوة الغريب.
ثانياً: تحرص على بذل الأسباب التي تؤثر في أخيك، وأنت تعرف النقاط التي هي نقاط ضعف فيه، فتوجد له من يؤثر عليه فيها، فتغتنم الفرص إذا -لا قدر الله- أصيب بمصيبة، فتذكره ذكرته بالله عز وجل، وإذا حدث عنده سرور ذكرته بنعمة الله، فتحاول أن تؤثر عليه، وتأخذ بالأسباب التي يكون لها وقع كبير في نفسيته وفي قلبه لعلّ الله أن يهديه.
ثالثاً: عليك -أخي في الله- أن تحذر مجاراة أهل المعاصي في معاصيهم، خاصة إذا نظروا إليك على أنك على خير وبر، فإذا كانت مؤاكلتك ومشاربتك ومباسطتك له تزيده جرأة على حدود الله، واستخفافاً بمحارم الله فإياك إياك! لا يختمن الله على قلبك، خاصة إذا كان جلوسك معه أثناء المنكر، أو أثناء شربه للخمر، إلا أن تعظه وتذكره بالله عز وجل، فالأكل والشرب مع أهل المعاصي حال معاصيهم مشدد فيه؛ ولذلك جعل الله عز وجل من جارى أهل المعصية في معاصيهم -دون أن ينصحهم، ودون أن يعذر إلى الله فيهم حكمه حكمهم: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [النساء:140]، يعني: لو جاء شخص ووجد شخصاً يستهزئ بالدين أو بالعلماء أو بالصالحين فلا يجوز له أن يجلس معه.
افرض يوماً من الأيام أنك في مناسبة، وجاء أحد يستهزئ ويتكلم في الدين، أو يستهزئ بالعلماء، فقام له واحد في وسط الغداء فقال له: اتق الله! لا تتكلم في العلماء، أمسك لسانك أو اخرج، سيقولون لك في اليوم الأول: متشدد! اليوم الثاني: متشدد! اليوم الثالث: يمسكون هذا الذي يتكلم ويقولون له: احذر! لا تتكلم في الدين، ولا تؤذي من جلس، على الأقل حتى يجاملون أهل الحق.
فإذا سكت الإنسان عن معصية الله محاباة لقريبه أو غيره؛ فإن هذا يعين أهل الباطل على باطلهم، ولا يمكن أن تقام حجة الله على العباد بهذا التخاذل، فينبغي عليك أن تنصحه.
وهناك أمر أخير ننبه عليه: إذا أردت أن تكلمه أو تبين له الحق فإياك ثم إياك! أن يتسلط الشيطان على قلبك فتكون موعظتك من أجل العاطفة لا من أجل الله عز وجل! ولذلك كثيراً ما تضعف دعوة الأقارب؛ لأن الإنسان يأتي بها من منطلق العاطفة، فيقول: فضحتنا، نكست رءوسنا أمام الناس، الناس يقولون: أخوك يفعل إذا أصبح الإنسان يدعو لهذه الأشياء فهي ليست لله، وإنما هي حمية للنفس.
وعلى هذا عليك أن تحرص على الإخلاص، وإرادة وجه الله عز وجل وطلب الخلاص، وأن تتفكر أنك إن أخذت بحجز أحدهم عن نار الله عز وجل عظمت مثوبتك، وجل ثوابك عند الله عز وجل في الدنيا والآخرة، فإذا كان قريباً كان الأمر أعظم، وإذا كان قريباً كان الجزاء من الله أجل، فتحرص على أن تعامل الله سبحانه وتعالى، وعلى أنك تنصحه لله وتذكره بالله.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يأخذ بنواصينا إلى كل خير وهدى، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلْى اللهُ وَسَلّمَ وَباَرَكَ على نَبِيّه وآله وَصَحْبِهِ أجْمَعِين.