قال رحمه الله تعالى: [فإن أحرم باجتهادٍ فبان قبله فنفلٌ وإلا ففرض] هذه مسألة من اجتهد وتبيَّن له الخطأ، فلو أنه أحرم بالصلاة على أن الوقت قد دخل، فظن أن المغرب قد وجب، وأن الشمس قد غابت فصلَّى، ثم في أثناء الصلاة أو بعد انتهاء الصلاة إذا بالشمس قد طلعت، فإن طلعت بعد انتهاء الصلاة فحينئذٍ لا إشكال أن الصلاة لا تُعتد فريضةً، أي: لا تقع فريضة، ويبطل الحكم بكونها فريضة والاعتداد بها، ويُلزم بفعل الفريضة بعد المغيب، ولكن تقع صلاته تلك نفلاً؛ لأنه إذا تعذَّرت نية الفرض انقلبت إلى النفل؛ لأنها عبادة، والله يقول: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:143].
ولذلك أخبر الله أنه لا يضيع الإيمان، وبالإجماع على أن المراد بقول الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة:143]، الصلاة؛ لأنهم كانوا يصلون إلى بيت المقدس، فقالوا: إخواننا قد ماتوا وقد صلوا إلى بيت المقدس، فأنزل الله عز وجل النفي الذي يدل على أنه ما كان ليضيع إيمانهم أي صلاتهم، فسمَّى الصلاة إيماناً.
قالوا: إن الله عز وجل وعد بأنه لا يُضِيع صلاة المصلي، فإذا تعذر إيقاعها فريضةً وانقلبت إلى نافلة، بما دل عليه دليل الكتاب.
وقال تعالى: {إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف:30]، والمصلي محسن ومطيعٌ لله عز وجل، وقد يقول قائل: ما الدليل على أن الفرائض تنقلب نوافل والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات)؟ فيقال له: الدليل على ذلك أنَّك لو حكمت، فإما أن تحكم ببطلان الصلاة، أو انقلابها نفلاً، فإن قلتَ: أحكُم بانقلابها نفلاً صح ذلك مع دليل الكتاب؛ لأنه ينبني عليه أن صلاته معتد بها، فإنه قصد القربة وقصد الطاعة والإخلاص لله عز وجل، وأوقَع الصلاة بصفاتها الشرعية، فلا وجه للإبطال، والله عز وجل لا يضيع عمل العامل، وهذا عمل، ولذلك نستثنيه من قوله صلى الله عليه وسلم: (وإنما لكل امرئٍ ما نوى)، فنقول: إذا تعذر الفرض انقلب إلى كونه نفلاً من هذا الوجه.