حكم أداء الصلاة قبل دخول الوقت

قال رحمه الله: [ولا يصلي قبل غلبة ظنه بدخول وقتها] بعد أن بين لك رحمه الله أن للصلاة بدايةً، وللصلاة نهاية شرع في بيان الأحكام المترتبة على البداية والنهاية، فبيَّن لك أحكام النهاية، وشرع الآن في بيان أحكام البداية.

فإذا علمت هذه المواقيت فإن أحكام بدايتها أنه لا يجوز للمكلف أن يُوقِع أي صلاةٍ قبل وقتها، إلا ما استثناه الشرع، كجمع التقديم في صلاة العصر مع الظهر، وجمع التقديم في صلاة العشاء مع المغرب، فإنك إذا نظرت إلى إيقاع صلاة العصر فقد وقعت في جمع التقديم قبل وقتها، وكذلك أيضاً إذا نظرت في صورة الجمع إلى صلاة العشاء مع المغرب فإنها قد وقعت صلاة العشاء قبل وقتها، لكن باستثناءٍ من الشرع، وبأصلٍ ودليلٍ دل على ذلك، وأنه لا حرج على المكلف في فعله.

أما لو أن إنساناً ليس عنده عذر الجمع، فجاء فجمع أو أوقع الصلاة قبل وقتها لم تصح صلاته، مثال ذلك: لو أن إنساناً توضأ لصلاة الظهر، ثم صلى الظهر قبل أن تزول الشمس، فإنه بالإجماع تبطل صلاته ولا تصح منه ويُلزَم بالقضاء؛ لأن الله عز وجل أمره بالصلاة بعد زوال الشمس، فحدد الأمر بها، ووقَّت الزمان للإلزام بها بزوال الشمس، فالصلاة إذا أوقعها قبل زوال الشمس فهي صلاةٌ غير الصلاة التي أمره الله بها.

فإذا زالت الشمس، فبعد انتهائه من الصلاة توجه عليه خطابٌ جديد يطالبه بفعل الصلاة؛ لأنه أثناء فعله لم يكن هناك خطابٌ شرعي بالفعل.

ولذلك يقول العلماء: من أوقع الصلاة قبل وقتها غير معذور فإنه تلزمه إعادة تلك الصلاة، وصلاته السابقة صلاة نفل، سواءٌ أكان ذلك على سبيل الخطأ منه، أم كان على سبيل التعمد والعلم.

فقوله: (ولا يصلي قبل غلبة ظنه)، فيه: أولاً: لا تجوز الصلاة قبل وقتها، وبيّنا هذا ودليله.

ثانياً: يستفاد من هذه العبارة أنه إذا غلب على ظنك أن وقت الصلاة قد دخل جاز لك أن تصلي، فمن باب أولى إذا تيقَّنْتَ، وقد تقدَّم معنا أن مراتب العلم تنقسم إلى أربع مراتب: الوهم، والشك، والظن أو ما يُعبِّر عنه العلماء بغالب الظن، واليقين.

فالمرتبة الأولى: الوهم، وهو أقل العلم وأضعفه، وتقديره من (1%) إلى (49%)، فما كان على هذه الأعداد يعتبر وهماً.

والمرتبة الثانية: الشك، وتكون (50%)، فبعد الوهم الشك، فالوهم لا يُكلَّف به، أي: ما يرد بالظنون الفاسدة، وقد قرَّر ذلك الإمام العز بن عبد السلام رحمه الله في كتابه النفيس: قواعد الأحكام، فقال: إن الشريعة لا تعتبر الظنون الفاسدة.

والمراد بالظنون الفاسدة: الضعيفة المرجوحة؛ لأن وجودها وعدمها على حدٍ سواء، ثم بعد ذلك الشك، وهو أن يستوي عندك الأمران، فأنت لا تدري أهو موجود أو غير موجود؟ تقول: يحتمل أن يكون موجوداً، ويحتمل أن يكون غير موجود، وكلا الاحتمالين على مرتبة واحدة، فهذا تسميه شكاً.

والمرتبة الثالثة: غالب الظن، أو الظن الراجح، وهذا يكون من (51%) إلى (99%)، بمعنى أن عندك احتمالين أحدهما أقوى من الآخر، فحينئذٍ تقول: أغلب ظني.

فإذا كان غالب ظنك أن الوقت قد دخل فإنه يجوز لك أن تصلي الصلاة وتفعلها.

والمرتبة الرابعة: اليقين، وتكون (100%)، كأن تتيقن أن الشمس زالت، وتعرف زوالها بالأمارة، أو ترى الشمس قد غابت، وتعرف مغيبها بالأمارة، فإذا رأيت الشمس غابت أمام عينيك، فأنت قد جزمت، وهنا تفعل الصلاة لوجود هذا اليقين.

لكن لو أن إنساناً قدَّر مغيبها، ومن عادته أن ما بين العصر والمغرب يفعل فيه أشياء، وبمجرد أن ينتهي من هذه الأشياء ينتهي الوقت، وكانت والسماء مغيمة لا يستطيع أن يرى مغيب الشمس فيها، أو يكون في مكان لا يرى فيه الشمس، لكن يعلم أن مثل هذا القدر من الزمان الذي من عادته أن يجلسه أن الشمس تغيب في مثله، فهذا ظن غالب، لا قطع.

وكذلك لو جلس من طلوع الشمس إلى زوالها، كرجل كفيف البصر من عادته أن يجلس ما بين طلوع الشمس إلى زوالها، يصلي ما شاء الله له، ويقرأ من القرآن ما كتب الله له، ومن كثرة الإلف والعادة يعلم أنه إذا بلغ إلى القدر المعين أن الشمس تزول، وأن وقت الظهر يدخل، فهذا غالب ظنٍ معتبر.

فهذه دلائل بالنسبة لشخص الإنسان، أو دلائل بالأمارات والعلامات يغلب بها ظن الإنسان أن وقت الصلاة قد دخل، فإذا حصَّل الإنسان غلبة الظن، أو حصَّل اليقين فحينئذٍ يتعبدُ الله ويصلي.

أما لو كان الظن وهماً، أو كان شكاً، فإن الأصل عدم الصلاة.

والدليل على أنه في غالب ظنه يصلي أن الشرع علَّق الأحكام على غلبة الظن، وقد قرر ذلك العلماء رحمة الله عليهم، ولذلك قالوا في القاعدة: (الغالب كالمحقق).

أي: الشيء إذا غلب على ظنك، ووجِدت دلائله وأماراته التي لا تصل إلى القطع، لكنها ترفع الظنون، فإنه كأنك قد قطعت به، وقالوا في القاعدة: (النادر لا حكم له).

فالحكم للغالب، فالشيء الغالب الذي يكون في الظنون أو غيرها مع الذي به يناط الحكم.

وبناءً على هذا إذا غلب على ظنك أن الوقت قد دخل أو تحقق فصلِّ، لكن لو أن إنساناً قال: أنا أشك أن الشمس قد غابت، فاحتمال مغيبها واحتمال بقائها عندي بمرتبةٍ واحدة، أو قال: أتوهَّم أن الشمس قد غابت.

فإنه لا يُصلي المغرب؛ لأن اليقين أن العصر باقٍ، واليقين أن النهار باقٍ، والقاعدة في الشريعة أن اليقين لا يزول بالشك، ولذلك تبقى على اليقين، والقاعدة المفرعة على القاعدة التي ذكرناها تقول: (الأصل بقاء ما كان على ما كان).

فما دمت في النهار فالأصل أنك في النهار حتى تتحقق من مغيب الشمس، وما دمت أنك في المغرب ولم تتحقق من مغيب الشفق فالأصل أنك في المغرب حتى تتحقق من مغيب الشفق، فهذا بالنسبة إذا شككت واستوى عندك الاحتمالان.

ولذلك قال العلماء: من شك هل طلع الفجر أو لم يطلع جاز له أن يأكل ويشرب إذا كان في الصيام.

فلو أن إنساناً استيقظ من نومه، ولم يستطع أن يتبين هل طلع الفجر أو لم يطلع، فالأصل واليقين أنه في الليل، ونقول: كُل وأنت معذورٌ في أكلك، لكن لو كان مستطيعاً أن يتحرى وجب عليه التحري، للقاعدة: (القدرة على اليقين تمنع من الشك).

ولا يجوز للإنسان أن يجتهد ما دام أنه بإمكانه أن يصل إلى اليقين.

فهذا بالنسبة لحكم الوقت ابتداءً.

فالإنسان له أربعة أحوال: إما أن يتوهم دخول الوقت، أو يشك، أو يغلب على ظنه، أو يستيقن.

فإن توهم دخول الوقت أو شك لم يصلِّ، وإن غلب على ظنه أو قطع فإنه يصلي، وصلاته مجزِئة معتبرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015