قال رحمه الله: [فإن كانت عمداً محضاً ففي مال الجاني حالَّةً].
(الفاء) للتفريع.
وقوله: (فإن كانت الجناية عمداً محضاً ففي مال الجاني حالّة) أي تجب الدية، فهناك ثلاثة أحكام: الحكم الأول: أن من تعمد القتل وعفا أولياء المقتول عن القصاص لزمه أن يدفع الدية.
الحكم الثاني: أن تكون هذه الدية حالة نقداً.
الحكم الثالث: أنها في مال الجاني دون عاقلته.
فإذاً: عندنا ثلاثة أحكام: الحكم الأول: لزوم الدية في قتل العمد، والأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (فمن قتل له قتيل فهو بخير النظرين؛ إما أن يقادَ، وإما أن يودى)، فبين عليه الصلاة والسلام أن القاتل المتعمد إما أن يقتص منه أو يدفع دية المقتول، وهذا محل إجماع بين العلماء رحمهم الله.
الحكم الثاني: أن هذه الدية حالة، يعني يجب عليه أن يدفع فوراً، وهذا الإلزام مبني على أن الأصل في الجنايات والإتلافات أنها تكون حالّة، فلو أن شخصاً كسر زجاج بيت أو كسر نافذة بيتٍ، فإننا نقول له: اضمن هذا الزجاج واضمن هذه النافذة فوراً ليس هناك تأجيل، فالأصل في الضمان أنه يكون فوراً؛ لأن حقوق الناس مضمونة، والتأخير والمماطلة ظلمٌ لأصحاب الحقوق وتعطيل لمصالحهم، ولذلك يلزم بدفعها فوراً، وهو معنى قوله: (حالة)، لكن سيأتي إن شاء الله أن دية الخطأ مؤجلة وفيها قضاء الخلفاء رضي الله عنهم وأرضاهم، وهذا مما تفترق فيه دية العمد ودية الخطأ، أن دية العمد: حالة، ودية الخطأ: مؤجلة.
ثم هذه الدية الحالة تكون في مال الجاني ولا نلزم عاقلته بدفعها، وأما في الخطأ فإننا نجعلها على العاقلة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلها عليها كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وقد بين المصنف رحمه الله ما يترتب على قتل العمد، فإذا عفا أولياء المقتول يجب أن يدفع الدية، والأصل في ذلك النصوص التي بيناها في الكتاب والسنة.
الحكم الثالث: أن تكون في مال الجاني وليس في مال العاقلة.