قال رحمه الله: [كل من أتلف إنساناً بمباشرة أو سبب لزمته ديته].
(كل): من ألفاظ العموم.
وقوله: (كل من أتلف إنساناً بمباشرة أو سبب لزمته ديته) هذا الحكم فيه عموم، وبناء على ذلك كل من جنى جناية، أوجبت هذه الجناية زهوق النفس وقتل النفس المحرمة، فإنه يجب عليه أن يضمن الدية، سواء كانت الجناية بالسببية أو كانت بالمباشرة، وبينا أن القاتل إما أن يقتل مباشرة كمن أضجع شخصاً فذبحه بالسكين، أو أطلق عليه النار فقتله، هذه مباشرة، أو سببية -مثلما ذكرنا- كما لو دفعه في بئر أو دفع حائطاً عليه فقتله أو نحو ذلك من صور السببية التي ذكرناها.
(كل من أتلف إنساناً).
يشترط في هذا الإنسان أن يكون له حرمة على الضوابط التي ذكرناها.
(بمباشرة) كما ذكرنا في الصور التي يحكم فيها بأن القتل قتل مباشرة أو سببية بحيث فعل فعلاً أفضى إلى القتل لا على سبيل المباشرة، وإنما كان موصلاً إلى القتل، كما ذكرنا في الإلقاء من شاهق، والحبس في زريبة فيها أسد أو أنهشه حية ونحو ذلك من الصور التي ذكرنا فيها قتل السببية.
(لزمته ديته) الضمير عائد على الجاني القاتل، ولما قال: (كل) يشمل العاقل والمجنون، فلو أن مجنوناً قتل فإننا نجعل قتله خطأً، ونلزم أولياء المجنون الدية على التفصيل الذي يأتينا في عمد الصبي والمجنون، فإن عمد الصبي والمجنون خطأ ويجب فيه الضمان كما سنبين إن شاء الله تعالى.
بين المصنف رحمه الله عظمة هذه الشريعة في صيانة الأرواح والأنفس أن يجنى عليها، حيث أوجبت ضمان الجناية والتلف الحاصل، يستوي أن يكون القتل عمداً أو يكون خطأً، فلو أن إنساناً ساق سيارةً فدهس شخصاً خطأً لزمته ديته، ولو أنه ركب معه شخص ثم انقلبت السيارة وكان هناك سببية في انقلابها بإهمال ونحو ذلك لزمته الدية؛ فإذاً: كل من أتلف بمباشرة أو سببية، فإنه يلزم بضمان ما أتلفه.