قال رحمه الله: [وإن أمر بالقتل غير مكلف] كأن دعا صبياً وقال له: اذهب واقتل فلاناً، والصبي لا يعصي، كأن يكون والداً له، أو يكون شريراً يخاف منه الصبي ويفزع، فقال له: اذهب واقتل فلاناً، فذهب وقتله؛ فإنه يسقط القصاص عن الصبي؛ لأنه غير مكلف، ويجب القصاص على الآمر؛ لأنها مثل مسألة الإكراه، فالصبي أو المجنون يندفع بدون شعور.
والمجنون قد يفعل بتمييز، فإن بعض المجانين عنده نوع تمييز، وبعضهم يكون فعله بدون تمييز، فمثلاً: بعض المجانين -أعاذنا الله وإياكم- يقال له كلام معين فيحدث عنده رهبة أو خوف، وعندها يتصرف بتصرفات معينة تفضي إلى القتل، سواء قتلت صبياً أو امرأة أو رجلاً، ما دام أنه يعلم أن هذه الإثارة لهذا الشخص غير المكلف مفضية إلى إزهاق الروح التي أزهقت وماتت؛ فإنه قاتل كفعل الإكراه في المكرَه؛ لأن مراده التأثير، ولذلك فالصبي قد يُدفع إلى القتل بالقوة أو بالتخويف والتهديد، وعقله قاصر، ويضيق شرط الإكراه في الصبي أكثر منه في غير الصبي؛ لأن غير الصبي يكون عنده من العقل والتمييز والإدراك للأمور ما يستنجد معه بالغير، أو يستغيث به بعد الله بالغير، أو يمكر، أو يحتال، ولكن الصبي لا حيلة له غالباً، فمن هنا إذا أمر غير مكلف؛ فالحكم أنه يسقط عن غير المكلف لوجود موجب الإسقاط، كما لو قتل الصبي منفرداً فإنه لا قصاص عليه، فيسقط القصاص عن غير المكلف، ويثبت القصاص على الآمر المكلف.
ويدخل في هذا أيضاً المجنون، فالصبي والمجنون كلٌ منهما إذا أُمر بالقتل فقتل فإنه يقتل الآمر، إذا قال أولياء المقتول: نريد القصاص والقود.