قال المصنف رحمه الله: [وإن أمر بالقتل غير مكلف، أو مكلفاً يجهل تحريمه، أو أمر به السلطان ظلماً من لا يعرف ظلمه فيه، فقتل، فالقود أو الدية على الآمر].
من ترتيب الأفكار ذكر المسائل المفرعة على مسائل الأصول، فقتل الجماعة بالواحد هي مسألة أصل في هذا الباب، وأمر الغير أن يقتل بالإكراه وبدون إكراه، بالإغراء، أو بالتغرير، والكل يجمعها أصل واحد وهو الاشتراك في القتل، فلما كان الاشتراك في القتل له تأثير عند من يقول بقتل الجماعة بالواحد، فصدر رحمه الله بمسألة قتل الجماعة بالواحد، ثم أتبعها بمسألة السببية، وإذا جاءت مسألة السببية، فتارة تكون السببية بالأمر، وهذه يسمونها: السببية الحسية؛ لأن هناك سببية تؤثر حساً، وسببية تؤثر عرفاً، وسببية تؤثر شرعاً، فالسببية الحسية منها: مسألة الإكراه حساً، كشخص هدد أنه سيقتل، فهذا بالحس ندرك، أنه إذا ضغط عليه سيقتل، فهذه اشتراك للسببية في الحس.
والسببية بالعرف: مثل أن يأتي ويقدم له طعاماً وهو ضيفه، وفي الطعام سم -أعاذنا الله وإياكم- فأكل السم فمات، وهذه قد تقدمت معنا، فإنه قد درج في العرف على أنه إذا قدم الطعام للضيف فإنه يأكله، فصارت سببية مؤثرة بالعرف؛ لأنه قد يقول قائل: إن الشخص الذي أتى بالطعام وقدمه للضيف ما جاء ووضع السم في بطنه، وليس هو الذي باشر قتله، وإنما الشخص هو الذي باشر وأكل، فيتحمل مسئولية نفسه، فنقول: لا، لما كان العرف يحرج هذا الضيف ويلجئه إلى أن يأخذ من هذا الطعام؛ صار العرف يثبت أن صاحب الضيافة يحتاط لضيفه ويصون له طعامه، فصار هذا موجباً لقوة التأثير في السببية؛ لأنه في بعض الأحيان تكون السببية قوية، وأحياناً تكون ضعيفة، فيقولون: إن هذه سببية مؤثرة بالعرف.
وهنا في مسألتنا بالحس مثلاً: الشهود إذا شهدوا بالزور فإنهم ليسوا هم الذين قتلوا، وإنما القاضي قضى، والذي قتل هو الذي نفذ حكم القاضي، لكن سببية الشهادة شرعاً تثبت القتل، والشرع يلزم بقتل هذه النفس، فهي مؤثرة استناداً إلى الشرع، وقس على هذا، ففي مسألة الشهادة، الحس يثبت أن الإكراه يدفع المكرَه دون اختياره، فهناك اشتراك من نوعٍ آخر، وهو أن يأمر غير المكلف.