قال رحمه الله: [أو يلقي عليه حائطاً].
يشترط أولاً: أن يكون الحائط كبيراً يقتل مثله في أغلب الأحوال، بحيث لو سقط على آدمي ففي الغالب أنه يقتله.
الشرط الثاني: أن يكون الشخص لا علم عنده، أي: لا يعلم أن هناك من يريد أن يدفع عليه الحائط، أو غرر به شخص فأجلسه تحت الحائط ثم ختله وخدعه فألقى عليه الحائط.
فلو كان الحائط صغيراً لا يقتل مثله فإننا ننظر في الشخص الذي سقط عليه الحائط ونفصل فيه: فإن كان كبيراً، والحائط لا يقتل مثله غالباً، فهذا ليس بقتل عمد؛ لأن الغالب أن الحائط لا يقتله، وإن كان الشخص صغيراً كالطفل الرضيع والصغير والصبي، فسِنُّه وحجمه الغالب أنه لو سقط عليه لقتله، وإن كان لا يقتل غالب الناس لكنه يقتل مثل هذا، فإنه قتل عمد، وهكذا لو كان الذي قُتل شيخاً كبيراً أو مريضاً يقتل بأقل شيء، فإلقاء الحائط الصغير عليه قتل عمد يوجب القصاص.
إذاً: يشترط أن يكون الحائط مثله يقتل، وإذا كان مثله لا يقتل في غالب الأحوال وغالب الناس فنفصل في الشخص الذي ألقي عليه الحائط.
أما الشرط الثاني: فهو أن يكون المقتول لا يعلم، فإن كان يعلم أنه سيلقى عليه الحائط نظرنا وفصلنا: فإن كان بإمكانه الهرب والدفع عن نفسه ولم يهرب ولم يدفع عن نفسه، فإنه حينئذٍ لا قصاص؛ لأنه قصر في حفظ نفسه، فلا يكون هذا قتل عمد، كالذي أمر غيره أن يقتله؛ لأنه في هذه الحالة بإمكانه أن يهرب، وبإمكانه أن يدفع الضرر عن نفسه، فتقصيره في ذلك وامتناعه من الهرب والنجاة بنفسه كمن قال لغيره: اقتلني، وفيه تفصيل: فمن قال لغيره: اقتلني، فإنه لا يقتل القاتل، على تفصيل عند العلماء رحمهم الله، فليس هذا بقتل عمد.
ومسألتنا الآن: أن يعلم، وبقدرته وبإمكانه أن يفر ويهرب فلا يحصل القتل، فقصر في ذلك، فلا قصاص على القاتل، وحينئذٍ يتحمل الشخص -كما ذكرنا- المسئولية، لكن لو أنه علم وتعاطى أسباب الهرب وأسباب الفرار، ولكنه لم يفلح شيء من ذلك فقتل، فإنه يعتبر مقتولاً قتلاً عمداً، ويجب القصاص على القاتل؛ لأن علمه لم يؤثر، وقد تعاطى الأسباب ولكنها لم تؤثر، فحينئذٍ وجود العلم وعدمه على حد سواء.
إذاًَ: يشترط أن يكون الحائط يقتل مثله غالباً في أغلب الأحوال، وأن يكون الشخص لا علم عنده بذلك.
الشرط الثالث: أن يحصل الزهوق وخروج الروح والموت بعد إلقاء الحائط مباشرة، أو يكون مستتبعاً لحكم قتل الحائط.
وبناءً على ذلك نفصل: فإن دفع الحائط عليه فسقط الحائط ومات الشخص مباشرة، فوجهاً واحداً أنه قتل عمد ويوجب القصاص، وأما إذا عاش بعد سقوط الحائط عليه فننظر فيه: فإن كان حاله كحال الذي أنفذت مقاتله، وصار بحالة مثل حالة من أصابته السكرات، أو حالة المقارب للموت، فإن القاعدة: أنه ينسب لأقرب حادث، فهو ميت بالجدار لا بغيره، ويحكم بالقصاص والقود، ولا يؤثر هذا التأخير؛ لأنه في حكم الميت.
لكن لو أنه بقي بعد سقوط الحائط عليه وبه جراحات يمكن علاجه وتداويه ونجاته، فيفصل فيه بالتفصيل الذي ذكره العلماء رحمهم الله، فهل بإمكانه تعاطي المعالجات أو ليس بإمكانه؟ وهل يوجد من يعالجه أو لا؟ فتحكم على حسب تقصيره وعدمه فهو قتل عمد، فإذا كان مثلاً في برية وليس هناك من ينقذه ولا من يقوم به، ونزفت جراحاته حتى هلك فهو قتل عمد؛ لأن الزهوق حصل بسراية الجرح، ولم يوجد في البرية عنده أحد، ولا يمكنه الصراخ، ولا يمكنه الاستغاثة بعد الله بأحد، فحينئذٍ يكون قتل عمد.
قوله رحمه الله: (يلقي عليه حائطاً) في حكم إلقاء الحائط: إسقاط الخرسانات في زماننا، فمثلاً: لو رفع خرسانة ثم رماها على نائم فقتله، فإنه كإلقاء الحائط عليه، وفيه تفصيل: فإذا كان يعلم وجاء ونام وهو يعلم أنه سيقتل، فقد فرط في حفظ نفسه، وإذا كان علم وصرخ عليه أحد ونبهه ولكنه تساهل وتلاعب في حفظ نفسه، ففيه التفصيل الذي ذكرناه في إلقاء الحائط.
وفي حكم إلقاء الحائط أيضاً سقوط السقف على الشخص، وفي زماننا الجرافات، فلو أنه يعلم أن في هذه الغرفة شخصاً أو أشخاصاً، فجاء بالجرافة وهدم قواعد البيت أو أركان الغرفة فسقطت عليهم فقتلتهم، فإنه كإلقاء الحائط والقتل بالحائط، وحينئذٍ يكون قتل عمد، ويفصل فيه بنفس التفصيل السابق.
وفي حكم إلقاء الحائط أيضاً أن يسلط الماء على أساس الغرف والبناء، فتختل قواعد ذلك المسكن حتى يخر على من بداخله السقف ويقتله، فكل هذه الصور في حكم إلقاء الحائط على الشخص، وفيها التفصيل الذي ذكرناه، فإذا تبين هذا فإنه لابد من النظر في الشيء الذي يلقى، والشخص الذي يلقى عليه، والحالة التي حصل بها الزهوق والقتل.