Q عاملٌ يعمل في دكان سيده، فهل يجوز له أن يهدي من هذا المحل، وهل يجوز لي أن آخذ من هذه الهدية، أثابكم الله؟
صلى الله عليه وسلم العامل ليس ملكاً لصاحب الدكان، وإنما بينهما عقد إجارة، فينبغي دائماً أن يعلم الإنسان أن المسلم ليس بالرخيص، ولا بالهين، لا للونه ولا لحسبه ولا لنسبه، ويعلم أن الإسلام شيء كبير، وأن للناس حقوقاً في أعراضهم وكرامتهم، ولا تحسبن أعراض الناس سهله؛ أو أن الناس إذا كانوا غرباء أو ضعفاء فليس لهم حقوق، بل اعلم أن الإسلام قد سوى بينك وبينه، عاملاً أو غير عامل، ولو كان فقيراً فقراً مدقعاً.
ولذلك جبلة بن الأيهم لما كان يطوف، فوطأ الأعرابي طرف إزاره فسقط الإزار، فلطم جبلة الأعرابي في داخل المطاف، فاختصما إلى عمر رضي الله عنه، فقال لـ جبلة: كتاب الله القصاص، يلطمك مثلما لطمته، فقال: يلطمني هذا الأعرابي؟ قال: نعم، يلطمك كما لطمته، فإن الإسلام قد سوى بينك وبينه، وكان من ملوك العجم، من أصحاب العزة والمكانة في الروم، فقال له: أنظرني ليلتي.
وهذه من قصص العبر التي ذكرت في التاريخ الإسلامي.
وأنبه على أنه كان من منهج العلماء أنهم لا يطبقون عليها موازين الجرح والتعديل، والآن كل يوم يأتي من يقول: هذه قصة لا تثبت.
هذه القصص التي تقال للاعتبار، كما قال الإمام أحمد: كنا إذا ذكرنا التاريخ تساهلنا، وتجد اليوم من يقولون: لا تثبت، فيطعنون فيها، حتى أنك تجد مبتدئين من الطلاب حينما يمسك (البداية والنهاية) لـ ابن كثير يهينها وينقص من مكانتها، لأنه سمع أن فيها قصصاً لا تثبت، ولما يحضر للشيخ محاضرة ويسمع عنده قصة لا تثبت، يسقط الشيخ من نظره، فهم يفسدون أكثر مما يصلحون، موازين الجرح والتعديل معروفة أين تطبق، لذلك ما وجدنا الحافظ ابن كثير والأئمة والعلماء يشتغلون بنقد مثل هذه القصص، ويخرجون قصصاً لا تثبت في أشياء يقصد منها الاتعاظ والعبرة.
الشاهد أنه لطمه لطمة، فقال له: أيلطمني هذا الأعرابي، قال: إن الإسلام قد سوى بينك وبينه.
ولو كنت في أعز الناس فأنت معه في الإسلام في قدم واحدة ومكانة واحدة.
قال: دعني أنظر ليلتي.
ثم إنه ارتد، كما جاء في الخبر أنه انسحب بمن معه وارتد، وكل هذا من أجل عزة الإسلام.
ولما وقعت قصة القبطي مع ابن لـ عمرو بن العاص، لما قال: خذها وأنا ابن الأكرمين، أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمرو بن العاص أن يوافيه الموسم ومعه ابنه، فلما جاءه وقدم عليه، قال: هذا الذي ضربك؟ قال: نعم، قال: دونك فاضربه، فقام وضرب ابن عمرو كما ضربه، فقال عمرو بن العاص: ما هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: وجهها على صلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين! أما أنا فقد ضربت من ضربني، فقال عمر رضي الله عنه مقالته المشهورة: يا عمرو! متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً! فالإسلام سوى بين الناس، فلا يظن أحد أنه إن كان عنده عامل أو أجير أنه قد ذهب حقه وقدره؛ لأنه يعمل، ووالله إنه في قمة الشرف ما دام أنه تغرب للقمة العيش التي يريد بها أن يعف بطنه وأهله وولده وزوجه، وأيضاً يريح نفسه من ذل السؤال، فهذا كريم شريف عزيزٌ جداً، ولذلك لا يحق لك أن تصف صاحب العمل بأنه سيد له، لا والله فالسيد هو الله، وهو رب كل شيء ومالكه، وهو العزيز الذي ذل له كل عزيز، سبحانه وتعالى، فهذا أمر مهم جداً، وينبغي على طلاب العلم والأخيار ألا تأخذهم سفاسف الناس ومحقراتهم فيخاطبوا الناس بمثل هذه العبارات.
فينبغي أن تحفظ للناس حقوقهم وكرامتهم، وأن لا ينظر إلى الناس بألوانهم وأحسابهم، ولا بحوائجهم وضعفهم.
كما قال صلى الله عليه وسلم ينبه الأمة: (رب أشعث أغبر ذي طمرين، مدفوع على الأبواب، لو أقسم على الله لأبره) فلو قصد السائل بقوله: (سيده) يعني: صاحب الدكان، فهذا ممكن، لقوله تعالى: {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف:25] وهي زوجة، والسيد في لغة العرب يطلق بمعنى صاحب الشأن، ومن هنا تجد بعض الناس يقول لك: يا سيدي، وليس قصده أنك سيد له، ولذلك تجد في كل بيئة كلمة لا يراد بها حقيقتها، وعندنا ينتشر كلمة: (يا شيخ) مع أن كلمة (شيخ) إجلال، وكذلك كلمة: (سيد) إجلال، لكن لا يقصد منها المعنى، فإذا قصد السيد بهذا بمعنى صاحب الشأن فلا بأس.
على كل حال: إذا كان العامل يهدي من ماله، وكانت الهدية قليلة لا تضر بالمال كتب الله له أجرين، أجراً للمهدي وكتب لصاحب المال أجره، والأفضل أن يستأذن صاحب المال، وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا، إذا كان عبداً كما في الموالي، وكان أجيراً وأعطى دون أن يضر؛ فهذا استثناه العلماء، وخاصة إذا جرى بهذا العرف.
مثال: جرى العرف أنه إذا اشترى شيئاً أعطى هدية منها لغيره، وجرى هذا العرف بين الناس من باب الإحسان والكرم، فلا بأس إذا أعطاه هذا الشيء، فإذا أعطى العامل في الدكان هذا الشيء كتب الله له الأجر، وكتب لصاحب الدكان أجره، فله مثل أجر صاحب الدكان؛ لأنه أعطى وبذل ويده يد إعطاء، كما قال صلى الله عليه وسلم: (الخازن الأمين الذي يؤدي ما أمره به سيده) يعني لأنهم كانوا عبيداً وموالي (له مثل أجر صاحبه)، فهذا كرم من الله وفضل.
ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يكرمنا بفضله وإحسانه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.