الجمع بين لغو اليمين وإنشائه

Q كيف يجمع بين قوله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة:225]، وقوله: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة:224]، أثابكم الله؟

صلى الله عليه وسلم لغو اليمين مختلف في تفسيره، قال بعض العلماء: أن يحلف على الشيء يظنه صواباً فيتبين أنه غيره، فهو لغوٌ أي: لا كفارة فيه.

وهذا مأثور عن ابن عباس رضي الله عنه، كأن ترى رجلاً من بعيد، فتقول: هذا محمد، فقال لك قائل: لا، هو علي.

تقول: والله إنه محمد، فأنت حلفت على شيء تظنه بغلبة الظن، والحالف على غلبة الظن إن تبين خطؤه كان قوله لغواً لا كفارة فيه.

فقوله: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة:225] أي: مؤاخذة التكفير، هذا على التفسير بأنه يحلف على شيء يظنه.

فآية المائدة في قوله: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة:225] من جهة إيجاب الكفارة بضمان حق الله عز وجل.

أما قوله: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة:224]، فمن جهة الحلف نفسه، وإنشاء اليمين، يعني: أن الإنسان لا يحلف كثيراً بالله عز وجل، وهذا من باب تعظيم الله عز وجل، ولذلك كان بعض السلف يتقي الحلف بالله عز وجل باراً أو غير بار.

وابن عمر رضي الله عنهما لما اختصم مع الرجل في عبدٍ من عبيده باعه، فادعى الرجل أن فيه عيباً واختصما إلى عثمان رضي الله عنه، فقال للرجل: هل عندك بينة؟ قال: ما عندي بينة، فقال لـ ابن عمر أن يحلف، قال له ابن عمر: لا أحلف، ولكن أرد العبد وأعطيه المال.

كل هذا من باب تعظيم الله عز وجل، لا يريد أن يحلف بالله عز وجل، فلما رد العبد باعه بأضعاف قيمته بعد ذلك، فعوضه الله خيراً مما ترك، وهذا من تعظيم الله؛ لأنه لا يعامل أحدٌ ربه إلا كان له الخير في دينه ودنياه وآخرته.

فقوله: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة:224] هذا المراد به الإكثار من حلف اليمين، والنهي عن الإكثار منها، هذا في الإنشاء والثاني في الأثر، وحينئذ فلا تعارض.

يعني تقول: نجمع بين الآيتين إذا وجد تعارض، لكن إذا كانت إحدى الآيتين في شيء والآية الأخرى في شيء آخر فلا تعارض بينهما أصلاً، ولا يجمع بين شيئين مفترقين، وبناء على ذلك لا تعارض بينهما من هذين الوجهين.

والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015