حكم المعتادة إذا اختلت عادتها

قال المصنف رحمه الله: [ومن زادت عادتها أو تقدمت أو تأخرت فما تكرر ثلاثاً حيض].

هنا مسألة أخرى، عرفنا المبتدأة والمعتادة والمميزة والمتحيرة، وعرفنا حكمهن، لكن هناك

Q مثلاً عندنا المرأة معتادة لها سنة كاملة وهي تحيض ثمانية أيام على وتيرة واحدة، فلما حملت ووضعت جاءها دم الحيض بعد انتهائها من النفاس والوضع ولكنه أقلّ من الأمد الذي كانت تجلسه، فقد كان حيضها ثمانية أيام، ولكن بعد النفاس جاءها سبعة أيام، أو ستة أيام، أو خمسة أيام، وانقطع وبقيت طاهراً إلى أن جاء الشهر الثاني، فجاءها خمسة أيام وانقطع، ثم بقيت طاهراً، وفي الشهر الثالث جاءها خمسة أيام وانقطع، فما الحكم؟ نقول: انتقلت عادتها من الثمانية أيام إلى الخمسة، هذا إذا كان العدد أقل، لكن الإشكال هنا: لو أن عادتها خمسة أيام، ثم حملت وولدت، وبعد النفاس وانقطاع الدم دخلت في الحيض، فجاءها الحيض سبعاً بالزيادة، أو ثمانياً أو تسعاً، فما الحكم؟ مذهب الجمهور على أنها تجلس أيام الحيضة الأولى وهي الخمس، والزائد استحاضة، حتى يمر عليها ثلاثة أشهر بوتيرةٍ واحدةٍ، أو شهران عند الحنفية.

فنفصل الأقوال على هذه المذاهب: الحنفية يقولون: إذا اختلت عادتها بالزيادة، فجاءها في الشهر الأول ستة أيام بزيادة يوم، والشهر الثاني جاءها ستة أيام بزيادة يوم، فهذا اليوم في الشهر الأول نقول لها: صومي وصلي فيه.

ثم في الشهر الثاني بعد النفاس جاءها ستة أيام، فتثبت عادتها عند الحنفية ويطالبونها بقضاء اليوم السادس الذي مضى؛ لأنه ثبت أنه من الحيض.

عند الحنابلة والشافعية -وهو ما اختاره المصنف- يقولون كالآتي: لا بد من أن تمر عليها ثلاثة أشهر بعد النفاس: في الشهر الأول ستة أيام، وفي الشهر الثاني ستة أيام، وفي الشهر الثالث ستة أيام، ففي الشهر الأول تصوم وتصلي في اليوم السادس، وفي الشهر الثاني تصوم وتصلي فيه كذلك، وفي الشهر الثالث يثبت أنه حيض، فتطالب بقضاء اليومين: الأول: الذي هو السادس من الشهر الأول، والثاني: اليوم السادس من الشهر الثاني.

فالخلاصة أنهم يقولون: كل مختلة اختلت عادتها بالزيادة فإننا نحكم بصيامها وصلاتها في الشهر الأول، وفي الشهر الثاني تثبت عادتها عند الحنفية، وعند الشافعية والحنابلة لا تثبت إلا في الشهر الثالث.

أما المالكية فيقولون: كل امرأة اختلت عادتها بالزيادة فإنها تستظهر بثلاثة أيام، أي: كل زيادة بلغت ثلاثة أيام وأقل فهي حيض، ففي الشهر الأول بعد النفاس، يلحق المالكية اليوم السادس -الزائد- بالحيض، ثم إذا جاء الشهر الثاني، فإنهم يلحقون اليوم السادس أيضاً بالحيض، وفي الشهر الثالث يحكمون بكونه حيضاً، وبكونها قد صارت عادتها ستة أيام، فلا يطالبونها بالقضاء، فأصبح الخلاف بينهم وبين الشافعية والحنابلة والحنفية في هذا اليوم: أن أولئك يحكمون بصيامها وصحة صلاتها، وهؤلاء يلحقونها بالحائض ما دام أن الزيادة ثلاثة أيام فدون.

أما دليل المالكية على هذا الاستظهار فقالوا: إن الثلاث مهلة في الشرع؛ ولذلك قال: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود:65] قالوا: عهدنا من الشرع أن الشيء إذا أراد الإنسان أن يمهل فيه فإنه يمهل بثلاث، فتأخذ بهذا بدل أن نضع ضابطاً من عندنا، وهذه المرأة التي اختل وضعها، يحتمل أنه حيض ويحتمل أنه ليس بحيض، فتحتاط بالثلاثة الأيام، وهذا الاستظهار مردود، ولذلك رده حتى أئمة المالكية، وقالوا: إنه باطل، وممن انتصر لرده الإمام الحافظ ابن عبد البر وقال: إنه لا دليل عليه لا من الكتاب ولا من السنة، ولذلك نبقى على ما ذكرناه من أن الأصل فيها أنها طاهر، ودليلنا على بطلان هذا الاستظهار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتنظر الأيام التي كانت تحيضهن قبل أن يصيبها الذي أصابها) فردها إلى العادة ولم يستظهر، فدل على بطلان الاستظهار؛ ولذلك لا اعتداد بهذا الاستظهار، فإذا سمعت -مثلاً- عالماً يفتي بالثلاث فتعلم أنه قد درج على مذهب من يقول بالاستظهار، والصحيح عدم الاعتداد به.

قال المصنف رحمه الله: [وما نقص عن العادة طهر، وما عاد فيها جلسته].

هناك فرق بين اختلال عادة المرأة بالزيادة وبين اختلالها بالنقص، فإذا كانت عادتها ستة أيام وزادت عليها فإنها تنتظر ثلاثة أشهر عند الجمهور وشهرين عند الحنفية، هذا في حالة الزيادة، أما إذا كان الاختلال بالنقص فيحكم بكونها طاهراً بمجرد انقطاع الدم عنها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015