قال رحمه الله: [ومن شرطه قذفها بالزنا لفظاً] أي: من شروط ثبوت اللعان، (قذفها) الضمير عائد إلى الزوجة، (بالزنا) إما أن يكون صريحاً، كقوله لها: يا زانية -والعياذ بالله- أو رأيتك تزنين أو أنت زانية، وقد يكون تعريضاً، كأن يقول لها في معرض الغضب وحال الخصومة: إني لست بزانٍ، كأنه يقول لها: أنت زانية، فهذا تعريض، فعند بعض العلماء -كما سيأتينا إن شاء الله في باب القذف- أنه يوجب ثبوت التهمة؛ لأن الله اعتبره موجباً لثبوت التهمة، في قوله: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم:28]، فجعل الله عز وجل هذا من الفرية مع أنهم لم يصرحوا لها بالزنا، وكأنهم يقولون: قد خالفت أباك وأمك فأنت على حال ليس كحالهم.
فعلى كل حال يشترط في ثبوت اللعان أن يكون هناك قذف؛ لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور:6]، فأثبت الله سبحانه وتعالى وجود الرمي، وقد بينا أن الرمي تطلقه العرب حساً ومعنىً، والمراد به في الآية الكريمة الرمي المعنوي وهو القذف، فيشترط أن يرميها بالزنا لفظاً؛ لأن عويمر العجلاني قال: يا رسول الله! الرجل يجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم ماذا يفعل؟ فقد يجد الرجل مع امرأته رجلاً يزني بها، وفي الصحيح من حديث عبد الله بن عباس: (إن هلال بن أمية قذف امرأته بـ شريك بن سحماء)، فأثبت أن هناك قذفاً، وجاءت الرواية عن هلال بن أمية أنه قال: (والله! يا رسول الله! لقد سمعت بأذني ورأيت بعيني) فأثبت أنها زانية، وبين أنه يستند إلى المشاهدة والسماع اللذين هما أقوى دليل على ثبوت الأمر، وعدم الشك فيه.
إذاً: لابد من وجود الرمي بالزنا، وأن يكون لفظاً، فلو رمى بغير الزنا سواءً كان مما فيه فحش أو مما ليس فيه فحش؛ لا يجب اللعان، فمن قال لامرأته: يا غافلة أو يا بلهاء، فهذا ليس بقذف ولا يوجب إثبات الحد، وهكذا لو قال لها: يا مجنونة، فلابد من وجود التهمة بالزنا، وأن تكون لفظاً لا فعلاً، وقال بعض العلماء: الكتابة تنزل منزلة اللفظ، وهذه مسألة تقدمت معنا في حكم طلاق من كتب طلاقه، فقال بعض العلماء: إن كتابة الشيء كالتلفظ به، فمن كتب لامرأته بالطلاق ولم يتلفظ به وقع طلاقه، ومن قذف بالكتابة ولم يتلفظ به فإنه قاذف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله عفا لأمتي عما حدثت بها نفسها ما لم تتكلم أو تعمل)، ولأن الله يقول لرسوله عليه الصلاة والسلام: {بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67]، وقد كتب إلى الملوك ملوك الأرض، فنزّل الكتابة منزلة البلاغ المباشر، فدل على أن الكتابة تنزل منزلة العبارة.
ومن أهل العلم من قال: إنه لابد من وجود الرمي بالقول إعمالاً للأصل؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، وإذا قذف بالكتابة لم يكن رمياً من كل وجه، ومن هنا: لا يأخذ حكم القذف، وقد تقدمت معنا هذه المسألة في كتاب الطلاق.
وقوله: (كزنيت): هذا لفظ صريح، فإذا قال لها وهي حاضرة شاهدة: زنيت، فهذه تهمة بالزنا وقذف، والقذف يوجب ثبوت حكمه، وإذا قال: يا زانية أو رأيتك تزنين فهذا أيضاً لفظ صريح، إذا قاله لزوجته وهي حاضرة شاهدة، فهي تهمة بالزنا وقذف، والقذف يوجب ثبوت حكمه.