بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.
أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: وإن قذف زوجته الصغيرة أو المجنونة بالزنا عزر ولا لعان، ومن شرطه: قذفها بالزنا لفظاً كزنيت، أو يا زانية، أو رأيتك تزنين في قبل أو دبر].
يشترط في صحة اللعان أن يكون المحل الذي ورد عليه القذف يتعلق به القذف، ويثبت به حكم القذف.
وتوضيح ذلك: أن اللعان شرع لدفع الحد عن الزوج القاذف، فلابد في الزوجة المقذوفة أن يثبت القذف في حقها، ولذلك كل من يصح قذفها يصح لعانها، وكل من لا يصح قذفها لا يصح لعانها، فهذه قاعدة عند العلماء رحمهم الله.
فلو كانت الزوجة صغيرة لا توطأ أو كانت مجنونة كذلك فإنه لا يثبت القذف في حقها ولا اللعان؛ لأن اللعان فيه معنى التعبد، والأيمان لا تصح من الصبية ولا من المجنونة، ولذلك لو لاعنها فإنها إذا حلفت لم تؤاخذ على أيمانها.
ومن هنا: لا يصح لعان الصغيرة ولا يصح لعان المجنونة، فقال رحمه الله: (وإن قذف زوجته الصغيرة أو المجنونة عزر) أي: أنه يثبت التعزير فيعزر، والتعزير يرجع في عقوبته إلى نظر واجتهاد الحاكم والقاضي، فإذا نظر القاضي إلى أي جريمة لا حد فيها؛ ولا عقوبة مقدرة من الشرع فيها، فإنه يجتهد في معاقبة صاحبها، وسيأتينا إن شاء الله بيان ذلك في باب التعزير.
وبناءً على ذلك: لو أن رجلاً تزوج بنتاً عمرها -مثلاً- خمس سنوات، قال وليُّها: زوجتك بنتي، قال: قبلت، وتم العقد بينهما وعقد عليها، ثم قال لها: يا زانية، فحينئذ لا يثبت اللعان ولا يثبت القذف؛ لأن الزنا لا يتأتى من الصغيرة، فليست محلاً للتهمة -وسيأتي في باب القذف من الذي يثبت في حده القذف، ويعتبر قذفه موجباً للحد، ومن هو بخلاف ذلك- فإذا قال لهذه الزوجة الصغيرة: يا زانية ورماها بالزنا، فإن الزنا لا يتأتى منها أصلاً؛ لأن مثلها لا يوطأ وليست محلاً للوطء، وحينئذ لا معنى لقوله: يا زانية، إلا الأذية والإضرار، فليست التهمة بالزنا حقيقية؛ لأنه لا يتأتى منها الزنا الذي له حكمه الشرعي.
لكن هناك عقوبة وهي التعزير، فينظر القاضي في المرأة المقذوفة التي رماها بالزنا، وينظر إلى حاله، ثم يقدر العقوبة بحسب ذلك، وفي هذه الحالة لا يستطيع الزوج أن يقول: أريد أن ألاعنها وهي زوجتي؛ لأن هذا يدرأ ويدفع عنه الحد، فحينئذٍ لا يثبت أصلاً حد القذف في حقه للأسباب التي ذكرناها، فإذا انتفى أمر القذف ولم يثبت حده فلا وجه للعان، وحينئذٍ ينصرف الأمر إلى جناية لا تقدير لها في الشرع، وهي جناية السب الذي ذكره لها بالزنا، وهذه لا عقوبة لها في الشرع محددة؛ لأنه ليس بالقذف الشرعي الذي يثبت، ولذلك قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلات} [النور:23]، والإحصان له شروطه كما سيأتينا إن شاء الله تقريره في باب القذف بإذن الله تعالى، وبناءً على ذلك فلو قذف الصغيرة أو المجنونة التي هي زوجة له، وقيل له: قد قذفتها ونريد أن نعزرك، قال: أريد اللعان، نقول: لا لعان؛ لأن الصغيرة والمجنونة لا يثبت فيمن رماهما حد القذف، ولا يثبت اللعان بسبب ذلك.