بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير خلق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن سار على سبيله ونهجه إلى يوم الدين.
أما بعد: يقول المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: يجب التتابع في الصوم] يبدأ المصنف رحمه الله في هذه الجملة في بيان الخصلة الثانية من خصال كفارة الظهار، وهي التي أوجبها الله عز وجل على من عجز عن إعتاق الرقبة، وهذه الخصلة هي صيام شهرين متتابعين، ولهذا الصوم أحكام، لذا قال رحمه الله: [فصلٌ: يجب التتابع].
فمن أحكام هذا الصوم: أنه يجب على المكفِّر أن يصوم شهرين متتابعين، والتتابع المراد به الموالاة، فلا يفصل بين صوم يوم وآخر بالفطر، فلو أفطر يوماً ولو قبل تمام الشهرين بيسير؛ فإنه ينقض التتابع إلا إذا كان معذوراً شرعاً بذلك القطع، والدليل على ذلك قوله تعالى: {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة:4]، فنص الله تبارك وتعالى على التتابع، والتتابع هو الولاء دون وجود فاصل، فلما قال: {شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} أي: أنه تتتابع أيام الشهرين دون وجود فطر بينها، فإذا وجد الفطر فله حالات: الحالة الأولى: أن يكون معذوراً فلا يقطع.
الحالة الثانية: ألَّا يكون معذوراً فيوجب القطع واستئناف صيام الشهرين متتابعين.
وقد بين الله تعالى أنه يجب على المكفر أن يصوم شهرين دون أن يسمي شهوراً معينة، ولذلك يجوز له أن يصوم الشهرين ولو كان في زمان اليسر، وزمان اليسر مثل أيام البرد، فإنه يطول ليلها ويقصر نهارها، فيسهل صيامها، ومن هنا نص طائفة من العلماء على أنه لو تحرى أيام البرد وصامها؛ فإن صيامه صحيح؛ لأن الله أطلق الشهرين، فكل من صام شهرين متتابعين؛ فقد أدى ما أوجب الله عليه.
كذلك لو قطع هذين الشهرين المتتابعين صومُ رمضان، فلو ابتدأ الصوم بشهر شعبان ثم صام رمضان ثم أفطر يوم العيد بأمر الله عز وجل، ثم صام بعده فإنه لا يقطع التتابع، ويصدق عليه أنه قد صام شهرين متتابعين، وسيبين رحمه الله الأمور التي يعذر فيها الصائم، فلو تخلل صيامه فطر لأسباب شرعية؛ فإن صومه صحيح ويجزئه، ولا يُلزم باستئنافه من جديد.