قال المصنف رحمه الله: [كفارته عتق رقبة].
سيأتي -إن شاء الله- أن هذه الرقبة التي تجب على المظاهر ينبغي أن تتوفر فيها الشروط المعتبرة للحكم بصحتها أو بإجزائها في العتق، والأصل في إيجاب العتق على المظاهر قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة:3]،فقوله تعالى: (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أي: عتق رقبة فالتحرير للرقبة المراد به أنه يفكها من قيد العبودية فيعتقها لله عز وجل.
وكفارة الظهار ترتيبية، والكفارات منها ما هو مرتب ومنها ما هو مخير فيه، فتارة يأمرك الشرع بكفارة ويجعلك مُخيراً تختار فيها إحدى ثلاث خصال، أو إحدى خصلتين أو أكثر، وتارة يُلزمك ويقول لك: كفر بكذا، فإن عجزت فبكذا، وإن عجزت فبكذا.
وتارة يجمع بين الأمرين.
فالكفارة التخييرية مثل كفارة الفدية، كقوله تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196].
والكفارة المرتبة مثل كفارة الظهار، فهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، فهي مرتبة لا يُجزئ فيها الثاني مع القدرة على الأول، ولا يجزئ الثالث مع القدرة على الثاني.
وأما الذي جمع التخيير والترتيب فكفارة اليمين، فإن الله تعالى أوجب فيها عتق الرقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فهذا تخيير، فإن شاء أعتق رقبة، وإن شاء أن أطعم عشرة مساكين، وإن شاء كساهم، ثم بعد ذلك قال تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} [المائدة:89]، فجاء بالترتيب عقب التخيير، فالتخيير في الثلاث الخصال الأُوَل، ثم جاء الترتيب عقب ذلك.
فهنا الكفارة -كفارة الظهار- مرتبة، فهي من النوع الذي أوجبه الشرع على وجه الترتيب، وبناء على ذلك لابد من تحصيل هذا الشرط، أعني أنه لا ينتقل إلى خصلة ما دام أن الشرع قد اشترط غيرها، حتى يتحقق شرط جواز الانتقال إلى غيرها.
والرقبة في الكفارة يشترط ملكيتها، ثم السلامة من العيوب، وسيأتي تفصيل هذين الشرطين المعتبرين للحكم بصحة العتق.
ولما قال [عتق رقبة] فهم منه أنه لا يصح عتق ما لا يوصف بكونه رقبة، والذي لا يوصف لا يُستحق عتقه، كما لو أعتق جنين أمة، لأن الجنين في بطن الأمة صحيح أنه ملك للسيد، ولكن لا يوصف بكونه رقبة إلا إذا خرج حياً، فحينئذ يصح، وأما قبل ذلك فلو أعتقه لم يصح.
وللعلماء قول آخر، فقالوا: إنه لو كان جنيناً في بطن أمه فإنه قد يكون معيباً عيباً يوجب بطلان عتقه.
كما سيأتي إن شاء الله في العيوب المؤثرة.