والكفارات: هي العقوبات التي أمر الشارع بها، وتأتي على أنواع وأحوال مختلفة، فتختلف بحسب اختلاف موجباتها، ولذلك تنقسم الكفارات إلى كفارات مغلظة وكفارات مخففة.
وكفارة الظهار تعتبر عند العلماء رحمهم الله من الكفارات المغلظة، وهي الكفارات العظيمة التي أوجب الشرع فيها ما لا يوجبه في غيرها تعظيماً للذنب أو للخطيئة أو التقصير الذي ارتكبه المكلف، وهذا النوع -وهو الكفارة المغلظة- منه ما يتعلق بالقتل، وهو -كما سيأتينا إن شاء الله- قتل الخطأ إجماعاً، واختُلف في قتل العمد، وكذلك أيضاً كفارة الجماع في نهار رمضان، وكذلك كفارة الظهار.
والكفارة المخففة من أمثلتها: كفارة اليمين، والنذر، وكفارة الفدية في الحج ونحوها، والكفارة تارة ينص عليها الكتاب وتبينها السنة وتُفصلها، وتارة تأتي في السنة ولا ينص عليها الكتاب.
فالكفارة التي نص عليها الكتاب وفصلتها السنة وبينتها منها: كفارة الظهار، وكفارة الفدية في الحج؛ فإن الشارع سبحانه نص عليها في كتابه، وجاءت السنة ببيانها، قال تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196]، فهذا أصل للكفارة، فمن اكتسب محظوراً بحلق الشعر أو نتفه، أو غطى رأسه، أو لبس المخيط فعليه الكفارة، ثم فصلتها السنة، فالله عز وجل قال: (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)، لكن لم يفصل كم يوماً يصومه المفتدي، وكذلك أيضاً النُسك الذي يذبحه لم يبين أنه من الإبل أو البقر أو الغنم، وكذلك الإطعام لم يبين قدره، فجاءت السنة بالبيان، فهذا نوع من الكفارات.
النوع الثاني: ما بينته السنة ولم يرد في القرآن نص عليه، وإنما ورد في القرآن بيان حرمة الفعل الذي يوجب الكفارة، كالجماع في نهار رمضان، فقد نهى عنه القرآن ثم جاءت السنة وبينت ما هو الواجب، وبينت الكفارة اللازمة على المجامع في نهار رمضان، فليس في القرآن نص على إيجاب الكفارة على المجامع في نهار رمضان.
فهذا نوع من الكفارات المغلظة وبينته السنة ولم يبينه القرآن، وهذا مما يدل على أن السنة تأتي بأمر زائد عما في القرآن، خلافاً لمن يقول: إن السنة -فقط- بيان لمجمل القرآن وتخصيص لعمومه، وتقييد لمطلقه، ونحو ذلك مما ذكروه، وعلى كل حال فكفارة الظهار بينها الله تبارك وتعالى في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في قصة المظاهر من امرأة.