قال رحمه الله تعالى: [فصل: ويصح الظِهار معجلاً ومعلقاً بشرط].
شرع رحمه الله في صيغة الظهار، فإذا قال الرجل لامرأته: أنتِ عليّ كظهر أمي فإما أن يعجل وينجز، وإما أن يعلق.
فالحالة الأولى: أن يكون الظهار منجزاً، فإذا أنجز يقول لها: أنتِ عليّ كظهر أمي، فقد أنجز ولم يعلق ظِهاره على شيء، فيقع الظهار.
والدليل ظاهر الكتاب وظاهر السنة، فالأصل في الظِهار أنه يقع منجزاً، والإجماع منعقد على أن صيغة الظِهار المنجزة والمعجلة واقعة إذا صدرت مستوفية للشروط المعتبرة.
والحالة الثانية: أن يكون الظِهار معلقاً، والتعليق بشرط كأن يقول لها: أنتِ عليّ كظهر أمي إن خرجت من البيت.
أو: أنتِ عليّ كظهر أمي إن كلمت فلانة أو ذهبت إلى كذا، فهذا كله معلق بشرط، فإذا وقع الشرط وقع الظهار، فلو قال لها: أنتِ عليّ كظهر أمي إن خرجت من البيت فخرجتْ وقع الظهار، فكما أن الطلاق يقع معلقاً كذلك يقع الظِهار معلقاً، فإذا وقع الشرط حكم بثبوت الظِهار، وجرت الأحكام المعتبرة عليه.
قال رحمه الله: [فإذا وجد صار مظاهراً].
قوله: [فإذا وجد] يعني الشرط، وقوله: [صار] أي: الزوج، وقوله: [مظاهراً] لأنه فيما بينه وبين الله علق ظهاره على وجود شيء، ووجد ذلك الشيء، فلزمه ما التزمه فيما بينه وبين الله، وقد تقدم معنا بيان الأدلة على ثبوت الطلاق معلقاً، فكما أن الطلاق يقع معلقاً كذلك الظِهار يقع معلقاً.
قال رحمه الله: [ومطلقاً ومؤقتاً].
أي: ويصح الظِهار مطلقاً ومؤقتاً، يعني التقسيم في قوله: [معجلاً ومعلقاً بشرط] فالمطلق أن يقول لها: أنتِ عليّ كظهر أمي، فهذا مطلق، فلم يقل: في الليل، ولا: في النهار، ولا: في اليوم، ولا: غداً، فما علق ولا قيد.
وقوله: [ويصح مقيداً ومعلقاً] كأن يقول: أنتِ عليّ كظهر أمي هذا الشهر.
أو: أنتِ عليّ كظهر أمي هذا الأسبوع، أو: أنتِ عليّ كظهر أمي هذا اليوم.
فإذا جاء مقيداً -وهو المعلق بوقت معين- نقول له: إن امتنعت من قربانها وإتيانها طيلة هذا الوقت فلا شيء عليك، فكما أنه لم يقع وطء، ولا عزم على الوطء، فحينئذٍ إذا مضى الشهر حلت له وارتفع الظهار؛ لأنه جعل كونها محرمة عليه كحرمة الأم مؤقتاً بوقت معين، وهذا الوقت المعين المحدد يتقيد به الحكم الشرعي بالظِهار، فبيّن رحمه الله أن الظِهار المقيد بوقت أو بزمان يتقيد بذلك الزمان، فإن مضى هذا الزمان كاملاً وانتهى فإنه ينتهي الظِهار بانتهائه.
لكن لو أنه قال لها: أنتِ عليّ كظهر أمي شهر جمادى الأولى، أو: أنتِ عليّ كظهر أمي شهر رمضان، وأراد في رمضان أن يجامعها، وأن يعود إليها أو يمسها فإنه حينئذٍ تلزمه الكفارة، ما دام أنه قيّد الظِهار بشهر رمضان وأراد أن يعود وحصل منه العود في رمضان، لكن لو أنه سكن وصبر حتى انتهى رمضان يرتفع الحكم وتعود حلالاً له؛ لأنه جعل ظهاره مقيداً بزمان فيفوت بفواته.
قال رحمه الله: [فإن وطأ فيه كفّر].
قوله: [فإن وطأ فيه] يعني في الزمان الذي علق به أو قيد.
وقوله: [كفّر] أي: لزمته كفارة الظهار؛ لأنه سيأتي أن كفارة الظِهار لا تلزم إلا بالعود؛ لأن الله تعالى جعل العود شرطاً في وجوب الكفارة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة:3]، فجعل لزوم الرقبة ووجوبها على الزوج مقيداً بالعود، وهذا هو شرط الكفارة، وسيأتي إن شاء الله بيانه.
وإذا ثبت هذا أنه شرط الكفارة فحينئذٍ لو قال لها: أنتِ عليّ كظهر أمي هذا الشهر، أو أنتِ عليّ كظهر أمي هذه الساعة، أو هذا اليوم، ومضى اليوم كاملاً دون عود فلا كفارة.
قال رحمه الله: [وإن فرغ الوقت زال الظهار].
قوله: [وإن فرغ الوقت] أي: الذي علق وقيد به، وقوله: [زال الظِهار] أي: رجعت حلالاً له، ولا تلزمه كفارة.