وقوع الظهار من كل زوجة

فيقول المصنف رحمه الله: [ويصح من كل زوجة] أي: يصح الظِهار إذا كان متعلقاً بالزوجة.

وقوله: [من كل زوجة] (كل) من ألفاظ العموم، فيشمل الزوجة الصغيرة والكبيرة، ويشمل الزوجة التي قد دُخل بها، أو عقد عليها ولم يدخل بها.

كذلك أيضاً يشمل الزوجة الطاهرة والحائض، فيشمل كل من يصدق عليها وصف الزوجة؛ لدليل العموم في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة:2]، فأثبت أن الظِهار متعلق بالنساء.

والذي يفهم من هذه العبارة أنه لا يصح الظِهار من أجنبية، فلو قال لامرأة أجنبية ليست بزوجة: أنتِ عليّ كأمي، أو: أنتِ عليّ كظهر أمي فإنه ليس بظهار، لكن كونه يخاطب امرأة أجنبية بهذا الخطاب فإنها لو اشتكت إلى القاضي فإنه من حق القاضي أن يُعزِره ويؤدبه لهذا الخطاب.

كذلك أيضاً في قوله: [من كل زوجة] نفهم منه أنه لا يصح الظِهار إذا كانت أمة مملوكة، فلو قال لأمة من إمائه: أنتِ عليّ كظهر أمي لا يقع الظهار، ولا تحرم بهذا القول؛ لأن الله عز وجل خص الظِهار بالنساء بقوله: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة:2]، والمرأة المملوكة ليست من النساء، وإنما هي من ملك اليمين، ولذلك فرق الله عز وجل بين النساء وبين ملك اليمين كما في آية النور في قوله تعالى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ.

} [النور:31]، وآية الأحزاب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ.

} [الأحزاب:50]، ففرق بين النساء وملك اليمين، فلما قال تعالى: (أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ) دل على أن ملك اليمين غير النساء.

والأصل يقتضي أن مملوكة اليمين -وهي الأمة- لا تأخذ حكم الزوجة من كل وجه، ولذلك لا يتعلق بها الظهار، فإذا لم يتعلق بها الظِهار لا يتعلق بها الطلاق.

فصح دليل النظر والأثر على أن الظِهار لا يتعلق بالإماء، ويستوي في الإماء أن تكون أم ولد أو غيرها؛ فإن المرأة إذا كانت موطوءة بملك اليمين فلا توصف بالزوجية، ولا تأخذ حكم الزوجية.

وبناءً على ذلك يختص الظِهار بالمرأة التي عقد عليها عقداً شرعياً، سواءٌ أو قع الدخول أم لم يقع.

وما سبق تقريره قد ظهر من أقوال بعض العلماء خلافه، فهناك من العلماء من أثبت الظِهار من الأجنبية، وهذا مروي عن بعض السلف وبعض الأئمة، وحفظ ذلك عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه.

وكلك أيضاً للأمة، فبعض العلماء يفرق فيقول: إذا كان عنده إماء وقال: أنتن عليّ كظهر أمي لننظر في من كانت منهن يطؤها فإنه يلحق بها الظِهار، والتي لا يطؤها لا يلحق بها الظهار.

ومنهم من فرق في الإماء بين أم الولد وغيرها، وهذا كله مرجوح؛ لأن الآية نصت على أن الظِهار متعلق بالزوجات، وبناءً على ذلك لا يتعلق بغير الزوجات.

ويبقى السؤال لو قال لها: أمركِ بيدك.

ففي الطلاق قلنا لو قال لها: أمركِ بيدكِ فقالت: طلقت نفسي فحينئذٍ يقع الطلاق، لكن لو قال لها: أمركِ بيدك فقالت: أنتَ عليّ كظهر أبي فهل يقع الظهار؟ نقول: لا؛ لأن الآية نصت على أن هذا الحكم خاص بالرجال، ولا يدخله الاستنابة والتفويض كالحال في الطلاق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015