قال رحمه الله تعالى: [فمن شبه زوجته أو بعضها ببعض أو بكل من تحرم عليه أبداً بقوله لها: أنت علي، أو معي، أو: مني كطهر أمي، أو كيد أختي، أو وجه حماتي ونحوه، أو: أنت علي حرام، أو: كالميتة والدم فهو مظاهر].
قوله: (فمن شبه زوجته أو بعضها) يقال: هذا يشبه هذا: إذا كان مثيلاً له واشترك معه في شيء أو أشياء، تقول: محمد يشبه البحر: إذا كان كريماً غزيراً كثير الخير، كما أن البحر يكثر خيره، أو غزيراً في علمه كما أن البحر يكثر نفعه.
وكذلك تقول: علي كالأسد، أي: في الشجاعة والقوة ونحو ذلك، فالتشبيه عند العلماء: هو الدلالة على أن شيئين اشتركا في أمر أو أمور، وبناءً على ذلك لا بد من وجود التشبيه في الظهار.
وقد بينا من قبل أن التشبيه يحتاج إلى أربعة أركان: مشبِّه ومشبَّه، ومشبه به، ووجه الشبه أو الصيغة المتضمنة للمشابهه.
فهنا المشبِّه هو الزوج، فالزوج إذا قال لامرأته: أنتِ عليّ كظهر أمي فهو المشبه، فلو قال أجنبي قلنا ليس بظهار، كذلك لو قال من يستمتع بالمرأة على غير وجه الزوجية، كالسيد مع أمته فإنه ليس بظهار.
والمشبَّه هو الزوجة التي في عصمة الزوج، والزوجة زوجتان: زوجة حقيقية وزوجة حكمية.
ومشبه به وهي الأم أو من في حكمها من المحرمات بالنسب أو السبب أو الرضاع كما سيأتي.
ووجه الشبه أو الصيغة المتضمنة للمشابهة هي اللفظ الدال على الظهار، فهذه هي أركان التشبيه الأربعة.
قال رحمه الله: [فمن شبه زوجته] سواء أكانت زوجة حقيقية أم زوجة حكمية، والزوجة الحقيقية: هي كل امرأة عقد عليها الرجل عقداً شرعياً صحيحاً.
فالمرأة إذا عقد عليها صح الظِهار منها، فلو عقد عليها وبعد العقد مباشرة قال لها: أنتِ عليّ كظهر أمي فظهار.
فلا يشترط أن يكون قد دخل بها، بل مجرد العقد كافٍ، والدليل على ذلك أن الله تعالى يقول: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة:2]، فبيّن أن المشبَّه هي المرأة التي من نساء المشبِِّه، وكل امرأة عقد عليها الإنسان فهي من نسائه، والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء:23]، فوصف المرأة بكونها من نساء الرجل مدخولاً بها أو غير مدخول بها.
والحكمية هي الزوجة المطلقة إذا كان طلاقها طلاقاً رجعياً وكانت في العدة، فإنها أثناء العدة إذا ظاهر منها فإنه يحكم بوقوع الظِهار وبصحته.
وقوله: [فمن شبه زوجته] أي: من شبه كل زوجته، كأن يقول لها: أنتِ، أو يقول: فلانة -سواء أكانت حاضرة في المجلس أم كانت غائبة- مني كظهر أمي.
أو: زوجتي مني كظهر أمي.
وهي غير حاضرة في المجلس، أو يخاطبها كفاحاً فيقول لها في وجهها: أنتِ عليّ كظهر أمي.
فهذا بالنسبة لمن شبه زوجته كلها، وفي حكم ذلك من يقول: كلك.
أو: جسمك، أو: جسدك، واختلف في قوله روحك، واختار جمع من العلماء أنه ظهار؛ لأن التعذيب بالروح يراد وليس المراد به استقرار الروح، والروح ليست منفصلة عن الجسد.
فهذه كلها ألفاظ بمعنى واحدٍ، فمن شبه زوجته، أي: شبه كل الزوجة، بقوله لها: أنتِ، أو: فلانة، أو: زوجتي فلانة، أو: أنتِ كلكِ، أو: جسدكِ، أو: جسمكِ، أو: ذاتكِ، أو: روحكِ، أو: نفسكِ فكل هذا آخذ حكم قوله: أنتِ.
قوله: [أو بعضها] أي: بعض الزوجة، كقوله لها: رأسكِ.
صدركِ.
يدكِ.
ظهركِ، وهذا فيه خلاف بين العلماء رحمهم الله.
والصحيح أن اختيار الجزء للتعبير بالظِهار كاختيار الكل على تفصيل: فإما أن يكون دالاً على ذلك بدون وجود احتمال، وأما أن يكون دالاً على ذلك بالنية، فلو قال لها: رأسكِ.
وقصد الإكرام فليس بظهار، ولو قال لها: رأسكِ.
وقصد الظِهار فظهار.
لكن حينما يعبر -مثلاً- بالفرج أو بأعضاء يحرم النظر إليها في أعضاء من جسدها يكون في حكم الكل، مثل قوله: يدكِ.
فلو قال لها: يدكِ عليّ كظهر أمي.
أو: ظهركِ عليّ كظهر أمي فظهار.
والدليل على ذلك أن الله عبر باليد عن الكل، فقال تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1]، والتباب متعلق بكل أبي لهب وليس بيده وحدها، وقال تعالى: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى:30]، وقال تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [الحج:10]، فذكر الجزء وأراد الكل، فلا يوجد زوج يقول لامرأته: يدك علي كظهر أمي، ويقصد اليد استقلالاً، لكن بعض العلماء يقول: يسري في الظِهار ما يسري في الطلاق، وقد تقدم معنا تفصيل هذه المسألة، وذكر أقوال العلماء فيها والأدلة.
وأما هل يسند التحريم للجزء أو لا يسند فمذهب بعض العلماء -وهو الذي اخترناه- أنه يسند التحريم للجزء ويسري على الكل ثم يفصل، فإذا قال لها: يدكِ طالق، أو يديكِ عليّ كيد أمي، أو كظهر أمي، أو كأمي، فبعض العلماء يرى أنه إن قال ذلك تصبح المرأة كلها محرمة من بداية اللفظ، يعني أن الجزء معبر به عن الكل.
وبعض العلماء يقول: لا يتعلق التحريم مباشرة، وإنما تحرم اليد ثم يسري إلى جميع البدن؛ لأن اليد متصلة بالبدن.
وقد بينا فائدة هذا الخلاف في الطلاق، وهي أنه لو قال لها: يدكِ طالق فإن المذهب الأول يقول: تطلق مباشرة، والمذهب الثاني يقول: لو قال لها: يدكِ طالق إن دخلت الدار.
وقبل دخولها للدار قطعت يدها فلا طلاق، لأنهم يرون أنه أول شيء يقع باليد ثم يسري، فلو قطعت اليد التي علق الطلاق بها فإنه لا يسري؛ لأن الطلاق لم يصادف محلاً يتعلق به حتى يحكم بالسريان.
ومسألة الظِهار تتفرع على مسألة الطلاق، وقد بينا هذه المسألة وفصلنا فيها، والخلاصة أن نقول: إن شبه الكل فقال: (أنتِ)، أو شبه بعضاً من أعضائها المتصلة كقوله: يدكِ رجلكِ بطنكِ فرجكِ رأسكِ، ونحو ذلك فالكل سواء، فاختيار الجزء للتعبير بالظهار كاختيار الكل، أما لو كانت منفصلة فسيأتي الكلام عنها.