قال رحمه الله: [بلفظ: راجعت امرأتي، ونحوه].
الرجعة تقع بأمرين: الأول: القول، والثاني: الفعل.
يحق للزوج أن يراجع زوجته بالقول، وهو أقوى ما يكون في الرجعة، ولذلك أجمع العلماء رحمهم الله على أنه إذا تلفظ بلفظ الرجعة الصريح أنه مراجع لزوجته، ولا خلاف بين العلماء أن القول يوجب الرجعة.
ثانياً: تقع الرجعة بالفعل، ومن ذلك أن يجامع المطلقة أو يلمسها أو يقبلها أو ينظر إلى فرجها بشهوة، على تفصيل عند العلماء: هل يقصد الرجوع أو لا؟ سيأتي إن شاء الله.
وقوله رحمه الله: [بلفظ راجعت] أي: تقع الرجعة بلفظ: راجعت، وألفاظ الرجعة تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: اصطلح العلماء رحمهم الله على تسميته باللفظ الصريح، وهذا النوع من الألفاظ إذا شهد الشهود أو سمعه القاضي من الزوج، حكم بكونه مراجعاً لزوجته ولو لم يلتفت إلى نيته، وهو أنه يقول: راجعتك أو أرجعتك، فإذا قال لها: راجعتك أو أرجعتك، وما اشتق منه مما يدل على الرجعة صراحة، حكم بكون المرأة قد رجعت إلى عشرة الزوج، فلو توفي بعد هذه الكلمة حكمنا بأنها رجعية وترثه، ويحكم لها بالأحكام الزوجية، ويجب عليها أن تعتد، شأنها شأن الزوجة.
القسم الثاني من الألفاظ التي تقع بها الرجعة: الألفاظ غير الصريحة، وهي ألفاظ الكناية، وهو أن يأتي بلفظ يحتمل أنه يريد الرجعة ويحتمل أنه لا يريد الرجعة، فيقول لها: الأمر بيني وبينك على ما كان، فهذا يحتمل أنني رجعت عن طلاقك وأريد أن أرتجعك، فعادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل الطلاق، ويحتمل قوله: الأمر بيني وبينك على ما كان، أي: لا زلت مطلقاً لك وباقياً على طلاقك، ولا أريد رجوعك إليّ، أو يقول: أنت مني على ما كنت من قبل، فيحتمل (من قبل) أي: من قبل الطلاق، ويحتمل (من قبل) أي: من قبل أن أكلمك، فلا زلت أكرهك ولا أريد رجوعك.
فهذه الألفاظ المحتملة إذا قال لها: الأمر بيني وبينك على ما كان، أو يقول لها: عدت إلى حالي الذي كنت عليه، فنسأله: هل قصدت الرجعة؟ فإن قال: قصدت رجوعها ثبت رجوعه، وإن قال: لم أقصد بهذا اللفظ رجوعها، فإنه لا يحكم بكونه مرتجعاً لها.
واختلف العلماء في قوله: (رددتك وأمسكتك) هل يعتبر مراجعاً لزوجته؟ فلو أن رجلاً طلق امرأته طلقة ثم قال لها: رددتك، أو قال لها: أمسكتك، ثم توفي، وشهد الشهود عند القاضي أنه قال: رددتك وأمسكتك، فهل يحكم بكونه مراجعاً لزوجته أو لا يحكم؟ قال بعض العلماء: رددتك وأمسكتك صريح؛ لأن الله تعالى يقول: {فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة:229]، وقال: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة:231] وهذا يدل على أنه إذا قال لها: أمسكتك، فإنه يحكم بكونه مرتجعاً لزوجته.
وهذا القول فيه قوة، خاصة وأن دليل القرآن يشير إلى اعتباره، وأنه يحتمل بقوة رجوع المرأة.
وعلى هذا فإن الألفاظ تنقسم إلى ثلاثة أقسام، وفي الأصل قسمان: قسم الصريح والكناية، وقسم مختلف فيه هل هو صريح أو كناية، وإن كان يرجع إلى أحد الأمرين، فيصبح المجموع قسمين على ما ذكرناه.
وقوله رحمه الله: [بلفظ: راجعتك] هو اللفظ الصريح.
قال رحمه الله: [لا نكحتها ونحوه].
لو قال: راجعتك، أو قال أمام عدلين أو أمام أصحابه كلمة: راجعتك، ارتجعت زوجتي، رددتها، أمسكتها، فيستوي أن يقول لفظ الرجعة وهو لوحده، أو يقول بحضور الزوجة، أو يقوله في حال غيبتها، فالحكم واحد، إذا قال: أرجعتك، يخاطب الزوجة فإنها تثبت الرجعة، ولو قال: راجعت زوجتي، وهو جالس مع شخص، وبقي من عدة زوجته يوم واحد، أو اتصل على أبيها قبل انتهاء عدتها بيوم وقال: رجعت، أو رددت بنتك، فحينئذٍ تثبت الرجعة.
إذا تلفظ بلفظ الرجعة فسواء خاطب به الزوجة أو لم يخاطبها به فإنه يثبت له حكم الرجعة، أي: فلا يشترط في الرجعة أن يواجه الزوجة بها، ويستوي أن تسمع منه، أو يقول ذلك في حال غيبتها.