تعليق الطلاق على الكلام

قال رحمه الله تعالى: [فصل: إذا قال: إن كلمتك فأنت طالق، فتحققي، أو قال: تنحي، أو اسكتي، طلقت].

هذه أمثلة لا يستغرب الإنسان منها، فهي نوع من الرياضة لذهن الفقيه وطالب العلم الذي سيجلس غداً للفتوى أو للقضاء أو للتعليم، ومن علم بهذه المسائل الغريبة العجيبة فإنه سيأتيه مثلها، ولكل أهل زمان أسلوبهم وطريقتهم، فلا يظن الطالب أن هذا شيء غريب معقد، بل هذا نوع من الترويض، وهو مدروس من العلماء رحمهم الله، وهم أبعد من أن يضيعوا أوقاتهم وأوقات من يدرس كتبهم، بل هذه المسائل تدرس بعناية، ويراد بها الترويض للذهن على المسائل الغريبة في الطلاق، وسيأتيك من أسئلة الناس ما لم يخطر لك على بال، فالعلماء يضربون أمثلة متعددة، وكلمات غريبة، ويقصدون منها وضع ضوابط للفقيه بحيث إذا سئل عن أي مسألة يعرف أصلها، فقد يأتي رجل لم يقرأ الفقه البتة؛ ويأتيك بشيء أشبه ما يكون بما ذكره العلماء، وقد رأينا في مجالس علمائنا ومشائخنا من يأتي بكلمات مبنية على كلام العلماء رحمهم الله، لكنها اختلفت باختلاف عادات الناس وأساليبهم، فالكلمات التي يذكرها العلماء مثل قولهم: إذا علق الطلاق على شيء، إذا علق على شيء آخر؛ كل هذا ترويض لطالب العلم الذي سيكون فقيها أو مدرساً أو مفتياً أو قاضياً، حتى لا يستغرب شيئاً مما يقع بين يديه، ويستطيع أن يقيس، والقاضي تأتيه المسائل من كل حدب وصوب، وليست معينة، وكذلك المفتي، وكذلك من يدرس ويعلم.

فنحن دائماً في المسائل الغريبة ننبه على هذه التنبيهات لأنها تربط طالب العلم بهذه الأشياء، وتجعله ينتبه للأساسيات، ونحن لا يهمنا تحقق الكلمة، والذي يهمنا الأصل والقاعدة والضابط الذي يبنى عليه، وترتبط به مسائل الباب، والذي يدرس الفقه بلا معرفة لقواعده وضوابطه لا يستطيع أن يتصدر للفتوى في المسائل الغريبة التي لم يدرسها، لكن الذي يعرف الضوابط والأصول يستطيع أن يستذكر، ويستطيع أن يحفظ، ويستطيع أن يستحضر عند الحاجة إلى ذلك.

قوله: (إذا قال: إن كلمتك فأنت طالق فتحققي، أو قال: تنحي، أو اسكتي، طلقت).

هذا الفصل فيه تعليق الطلاق على الكلام، إذا قال: إن كلمتك فأنت طالق، فتحققي، جملة (تحققي) كلام يتحقق به ما اشترطه على نفسه: إن كلمتك فأنت طالق، فأي شيء يصير بعد هذه الصيغة من الكلام ويصدق عليه أنه كلام، فإنه يحكم بوقوع الطلاق به، فإذا قال لها: قومي، اقعدي، اسكتي، ارفعي هذا، ضعي هذا، فقد وقع الشرط ويحكم بطلاق المرأة.

هل الإشارة كالكلام؟

صلى الله عليه وسلم هو قال: إن كلمتك، والإشارة شيء، والكلام شيءٌ آخر، فالكلام يكون صوتاً مشتملاً على الحروف الهجائية، فإذا حصل منه كلامٌ حُكِم بالطلاق، وإن حصلت منه إشارة فلا طلاق، فلا بد وأن يتحقق الشرط على الصفة المعتبرة: إن كلمتك فأنت طالق فتحققي، تثبتي، تريثي، انتبهي، وقعت جملة من الكلام بعد صيغة الشرط فيحكم بطلاقها.

لاحظ حينما قال لها: إن كلمتك فأنت طالق فانتبهي، البعض قد يظن أنها مرتبطة، والواقع أنه كلامٌ بعد الصيغة، فتطلق به، كما لو قال لها بعد عشر دقائق: احذري، فلو قال لها: انتبهي احذري، موصولاً بصيغته أو مفصولاً فالحكم واحد، ومراد المصنف: أن اتصال الكلام بالصيغة وانفصاله سواء في الحكم، وانظر إلى دقته: مثَّل بكلام متصل بالصيغة حتى تفهم أنه إذا انفصل فتطلق من باب أولى وأحرى؛ لأنه لو قال لها: (إن كلمتك فأنت طالق، ثم كلمها، طلقت)، قد يظن الظان أنه ما يقع إلا إذا كلمها بعد الصيغة فقط، لكن قال المصنف: إن قال لها: إن كلمتك فأنت طالق فتحققي، والكلام متصل بالصيغة، فإذا حُكِم بطلاقها بشيء متصل فمن باب أولى أن يحكم بطلاقها إذا انفصل الكلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015