حكم من علق الطلاق بوضع ذكر أو أنثى فوضعت خنثى

Q ما الحكم لو ولدت خنثى وقد قال لها: إن ولدتِ ذكراً أو إن ولدتِ أنثى؟

صلى الله عليه وسلم الخنثى في الأصل أن العلماء -رحمهم الله- يعطونه حكم الأنثى، ولذلك يعتبرونه مندرجاً تحت القاعدة المشهورة: (اليقين لا يزال بالشك)، فهو متردد بين الأنثى وبين الذكر، فاليقين أنه أنثى حتى نتيقن أنه ذكر، وإن كان في الواقع أنه بين الذكر والأنثى، فإذا ولدته على أنه خنثى وكان فيما بينه وبين الله قد اشترط تمحض الذكورية أو تمحض الأنوثة فلا طلاق؛ لأنه ليس بذكر محض ولا بأنثى محض، فإذا قصد أن يكون ذكراً محضاً أو أنثى محضاً، وكان أثناء الولادة لم يتمحض ذكراً ولم يتمحض أنثى، فاختار بعض مشايخنا -رحمة الله عليهم- أنه في هذه الحالة يحكم بعدم الطلاق؛ لأنه شرط فيما بينه وبين الله عز وجل أن يطلق الطلقة إن تمحض ذكراً وأخرجته ذكراً، ويطلق طلقتين إن تمحض أنثى وأخرجته أنثى، والخنثى ليس بذكر محض ولا بأنثى محض، ولذلك إذا تلفظ بهذا اللفظ وبينه وبين الله عز وجل أنه يقصد كونه ذكراً محضاً أو أنثى محضاً، فإنه لا يحكم بالطلاق، وزاد من ذكرنا من مشايخنا فقال: أما لو تبين بعد وضعه مباشرة أنه ذكر أو أنثى فحينئذٍ لا إشكال ويحكم بما تميز وآل إليه حاله، وقال بعض مشايخنا رحمة الله عليهم: عندي شبهة إذا كان التميز طارئاً بعد زمان، لاحتمال أن يكون مراده متمحضاً الذكورة والأنوثة أثناء الخروج وليس مراده أن يتميز بعد ذلك؛ لأنه ربما خرج مشكلاً أثناء الوضع والولادة، ثم تميز بعد الوضع والولادة بسنوات، وقد يتميز عند قرب البلوغ، ولذلك فالأصل يقتضي أنه إذا كان مراده أثناء الوضع، أن يكون ذكراً محضاً أو أنثى محضاً فلا طلاق، وهذا مثل قوله: إن كان أول ما تلدينه ذكراً فطلقة، وإن كان أول ما تلدينه أنثى فطلقتان، فولدتهما معاً فإنها لا تطلق، وهذا قول جمهور العلماء؛ لأنه قال: إن كان أول ما تلدينه، مع أن الذكر موجود والأنثى موجودة؛ لأنه علق على صفة، فهو إذا استصحب الولادة صفة مؤثرة كأن يكون بينه وبين الله أن تتمحض الولادة بالذكورة أو بالأنوثة فحينئذٍ تؤثر الصفة ويحكم بالطلاق على التفصيل الذي ذكرناه، والله تعالى أعلم.

بالنسبة للمسألة الماضية كنا نركز في الجواب على مسألة الشبهة وتردد الشبهة، لكن السائل لعله يقصد تعارض قاعدة (اليقين لا يزال بالشك)، مع قاعدة العمل بالشبهين أو إعمال الشبهتين، إذا كان له شبه من حرام وشبه من حلال، أنا فيما يظهر لي من السؤال: أنه كيف يُجمع بين كوننا نعمل بالشبهتين، ولماذا لم نرجع إلى قاعدة (اليقين لا يزال بالشك)؟ إن كان هذا مراده فالجواب هو: أن قاعدة (اليقين لا يزال بالشك) في حال وجود الغلبة، مثلاً: شخص توضأ للظهر، ثم حضرت صلاة العصر وشك هل خرج منه شيء أو لا؟ فاليقين والغالب أنه لم يخرج شيء؛ لأن الأصل كونه متوضئاً متطهراً، وحينئذٍ لا تعارض، فعندنا أصل ثابت، لذا قالوا في القاعدة: (الأصل بقاء ما كان على ما كان)، لكن في الشبهين تعارض أصلان بدون ترجيح، ففي قصة ابن زمعة إذا جعلت الولد المختصم فيه ابناً، فحينئذٍ يكون ابن زمعة ويجوز أن يدخل على أم المؤمنين سودة بنت زمعة وتثبت المحرمية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الولد للفراش) فالمرأة كانت تحت زمعة وزنى بها الرجل، فإذا جئنا ننظر إلى الأصل الموجود من كونها فراشاً لـ زمعة فهذه الأمة تبعٌ لـ زمعة فولدها تبعٌ لـ زمعة، ولا إشكال ويحكم بكونه ولداً للفراش.

لكن إذا جئنا ننظر إلى القرائن الموجودة من كونه فيه شبه ممن يُدعى أنه ولده بالزنى، فحينئذٍ يقال: إنه ولده، ويؤثر فيه، وهذا على حكم الجاهلية؛ فبعض الأمور أبقيت على حكم الجاهلية، مثل الأنساب، فما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن أنكحة الجاهلية لم تتوفر فيها شروط الإسلام فتكون باطلة، فالأنساب نبه العلماء على أنها تبقى على حكم الجاهلية، فإذا جئنا ننظر إلى الولد من حيث الشبه والصفات وجدنا فيه الشبه بمن زنى، فهذا يقتضي أن يلحق به، لكن في الشرع لا يلحق به وإنما يكون ولد زنى فلا يكون محرماً لـ سودة بنت زمعة رضي الله عنها وأرضاها، فأمرها عليه الصلاة والسلام أن تحتجب منه، لأن فيه شبهاً يدل على أنه ليس للفراش، وأبقى حكم الفراش بناءً على الأصل، فأعمل الأصلين، وهذا من باب تردد الشبهين، ولم يوجد أصل نرجح به أحدهما على الآخر، بخلاف الوضوء، فعندنا أصل أنه متطهر، وهو يشك هل خرج منه شيء أو لا؟ فنقول: الأصل بقاء ما كان على ما كان، ونعمل بقاعدة: (اليقين لا يزال بالشك)، ثم القاعدة تدلك على هذا، فاليقين لا يزال بالشك، معناه: أن هناك أصلاً يمكن الرجوع إليه، وشبهة عارضة، وشكاً عارضاً، لكن في الشبهتين المستويتين يكون من باب تعارض الأصلين، مثل مسألتنا التي معنا، الأصل أنه أجنبي، والأصل أنه ولد، فهذان أصلان متضادان، فهو ولد لـ زمعة لأنه صاحب الفراش، وولد لذاك على أنه ألحق بالشبه، والشبه مؤثر، فتعارض الأصلان وكلٌ منهما معتبر في بابه.

ومن أمثلة تعارض الأصلين وأحدهما طارئ والثاني قديم: إذا رفع المصلي رأسه من الركوع هل يقبض يديه أو يسبلهما؟ إذا جئت تنظر إلى الأصل تقول: الأصل أن المصلي لا يتحرك حركة زائدة، ولا يقف بصفة زائدة إلا بدليل صريح؛ لأنه إذا قبض يديه سيعمل حركة، والأصل يقتضي أن يسبل يديه، فالأصل العام أن يسبل حتى يدل الدليل على القبض، فتغلب جانب الإسبال، أو تقول: الأصل أنه قابض قبل الركوع، والأصل بقاء ما كان على ما كان، فإذا رفع رأسه من الركوع رجع إلى الأصل الذي كان عليه.

فالقول الأول معتمد على أصل في الصلاة معتبر ولذلك قالوا: الأصل السكوت حتى يدل الدليل على الكلام، والأصل عدم الحركة حتى يدل الدليل على الحركة، فالأصل القديم مستند إلى نص في الصلاة (مالي أراكم رافعي أيديكم كأذناب خيل شمس، أسكنوا في الصلاة) أي: لا تتحركوا ولا تفعلوا شيئاً إلا إذا أُمرتم بالحركة والفعل.

فشككنا في هذه المسألة هل قبضه عليه الصلاة والسلام قبل الركوع يستصحب لما بعد الركوع؟ أم نقول: إن ما بعد الركوع حالة مستقلة تحتاج إلى نص في القبض؟ من قبض يرجح هذا الأصل فهو على سنة، ومن أسبل يرجح هذا الأصل فهو على سنة، فهذا يعتبر من باب تعارض الأصلين، فهذه أصول متضادة ما تستطيع أن ترجح أحدها، لو قلت مثلاً: الأصل أن يسبل يديه؛ لأنه ما عندي دليل على القبض، يرد عليك ويقول: الأصل في الصلاة أن يقبض، فترد عليه وتقول: أصل القبض يكون قبل الركوع، وما بعد الركوع ليس له حكم ما قبل الركوع؛ لأن ما قبل الركوع فيه قراءة، وبعد الركوع يقول: سمع الله لمن حمده، ولا يقرأ، وقد جاء النص: (حتى عاد كل فقار إلى موضعه ... ) المهم أن هذا من باب تعارض الأصلين وله نظائر كثيرة، والمقصود من هذا: أنه لا يتعارض تقديم الأصل مع مسألة الشبهات لما ذكرنا من الأدلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015